استخدم مصطلح الثورة "Revolution" في أواخر العصور الوسطي بالمدن الايطالية ليشير بوجه عام
إلى تلك الإصلاحات المتعلقة بالعقائد، وقد دخل المصلح في اللغة الانجليزية عام
(1600) عن طريق "كرومويل"، وكان يعني به التناقض الظاهر، ثم تطور
استخدامه بعد ذلك ليشير إلى إصلاح النظام القديم في كل من إسبانيا وأمريكا
اللاتينية والشرق الأوسط [1].
حيث كانت الجيوش المتسلطة في تلك البلاد تستبدل
واحدة بأخرى كما كان يستبدل الملك أو أحد رجال الحاشية الملكية، دون أن يحدث ذلك
أي تأثير على النظام الحكومي أو على المجتمع، وهذه الحالة لا يمكن اعتبارها ثورة
بالمعني العام إلا تلك التي تحدث في حالات قليلة كتغيير تلك الجيوش عن طريق
الحركات الجديدة.
والمعني الحقيقي لمصطلح "ثورة" يعبر
عن الفكرة التي يمتلكها الفاعلين الثوريين، وتشغل تفكيرهم ويعتنوا بها، فهم
المحركين ضد الثبات الدائم للنظام القديم وهدفهم متمثل في عالم جديد، واستخدم
مصطلح ثورة في القرن السابع عشر ليشير إلى حركات التمرد التي تحاول إرجاع بعض
النظم القديمة.
ولكن الثورة تعني في الأصل محاولة التجديد
"Restoration" ومن ثم فان بعض النظم الموجودة سوف تقاوم هذا التجديد،
وأظهرت ثورات القرن السابع والثامن عشر رؤية كل شواهد الروح الجديدة روح المرحلة
الثورية الحديثة التي دعت إلى إصلاحات شاملة في كل المجالات.
تعددت
المفاهيم والتعاريف الخاصة بالثورة ومنها :
1:
الثورة عبارة عن انهيار وقتي أو طويل لمحتكري القوة السياسية الذين يعتمدون على
وجود عادة الخضوع عند الناس كي يبقوا في السلطة، فالثورة تعني تحطيم عادة الخضوع
الموجودة لدى الناس والتي ينتج عنها تشتيت القوة [2].
2: مفهوم الثورة يشير إلى التغييرات الجذرية
المفاجئة والتي تحدث في الظروف الاجتماعية والسياسية، وبخاصة عندما يتغير فيها
نظام حكومي أو سياسي معين ويحل محله نظام آخر.
3:
الثورة عبارة عن حركة تهدف إلى تغيير النظام السائد في مجتمع ما تغييراً جذريا
يتناول مبادئه وأهدافه والطريقة التي تتبع لتحقيق تلك المبادئ والأهداف بما يحقق
لهذا المجتمع الحياة الحرة الكريمة التي ينشدها [3].
أ- أول
وأهم الأسباب المؤدية للثورة هو الظلم الاجتماعي المبني على أساس استئثار قلة من
ب- العبودية
التي يلقاها الشعب من حكامه المستبدين الذين لا يعرفون لنزواتهم حدوداً ولا
لسلطانهم قيوداً، والذين فرضوا علي الشعب حياة أقرب إلى العبودية منها إلى حياة
الأحرار، وجعلوا من دولهم سجناً كبيراً تمثل حدودها جدرانه وأسواره.
ت- وهناك
أسباب اقتصادية أيضا تؤدي للثورة، فنجد أن الصراع الإقتصادي في المجتمع بين أولئك
الذين يملكون المصادر الإقتصادية الرئيسية في المجتمع وأولئك الذين لا يتمتعون
بهذه الميزة سبباً رئيسياً للثورة.
ث- ربما
تكون أسباب الثورة دينية كالثورة الإسلامية التي جاءت ثورة على القيم الاجتماعية
الفاسدة، ومحاولة توجيه المجتمع إلى القيم الفاضلة التي يمكن من خلالها الوصول إلى
حياة فاضلة خالية من الفساد.
إذا نظرنا إلى الأشكال والألوان التي تتخذها
الثورة، فإنها تتعدد وتتنوع ولكن كما يقول "روبرت ولدر R.Waelder" انه يمكن تصنيف الثورات طبقا لدرجة التغيير التي تنشده،
وطبقا لمدى الطموح الذي تريد تحقيقه، ويمكن حصر أهم أنواع الثورات فيما يلي [5] :
أولا
: الثورة السياسية "Political revolution"
فالثورات السياسية هي عمليات التغيير المفاجئة
والجذرية التي تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في المجتمعات، وهي التي يقوم
بها الشعب تحت قيادة بعض الجماعات أو الأفراد، وقد تسهم القوات المسلحة في حمايتها
وذلك لإصلاح الفساد الإداري والقضاء على السلطات الحاكمة القاسية المستبدة [6].
ثانيا : الثورة الاجتماعية "Social Revolution"
وهي تلك التي تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية في
البناء الإجتماعي وما يرتبط به من وظائف وعلاقات نتيجة لإفتقار بعض الجماعات أو
أكثرها لحريتها وحقها في العدالة والمساواة، وهذا ويتوقف نجاح الثورة الإجتماعية
بتحقيق حياة أفضل للمواطنين تسودها الرفاهية والعدالة الإجتماعية.
ثالثا : الثورة
الثقافية "Cultural
Revolution"
يشير ذلك النوع من الثورات إلى الإنتقال إلى
مرحلة جديدة عريضة وعميقة في حياة الشعب الذي يجب أن يزيل من حياته كل الأفكار
والثقافات والعادات القديمة ويضع مكانها تلك الأفكار التي تتفق وتعاليم المحركين
لهذه الثورة، تلك التعاليم التي تعتبر أساس لإلتزام الجماهير التي تبغي نشر الثورة
لتحقيق أهدافها.
رابعا : الثورة
القومية "National
Revolution"
هي الثورة التي يقوم فيها الشعب بالقضاء على
الحكومة التي يعتبرها أجنبية، وهذا النوع يعتبر تتويج لحركة الإستقلال، تلك الحركة
التي ربما لا تشمل الشعب جميعه بل قد تمثل طبقة واحدة تتطلع لأسباب أضيق من
الأسباب القومية التي تتمثل في إسقاط الحكومة وتسعى في إثبات حق الشعب في أن يحكم
نفسه.
خامسا : الثورة
الاقتصادية "Economic
Revolution"
ويقصد بها عمليات التغيير الجذرية في البناء الإقتصادي
للجماعات أو المجتمعات، ويتم ذلك عن طريق إعادة توزيع الثروات والملكيات بصورة
جديدة بما تضمنه من تغيير للعلاقات والنظم المرتبطة بهذا البناء، مما يؤدي في
نهاية المطاف إلى طفرة في النمو الإقتصادي للمجتمع [7].
سادسا : الثورة
المضادة "Counter
Revolution"
وتلك الثورة تتمثل في مجموعة العوامل التي تقف
معارضة للثورة بل وتسعى إلي النيل منها، وعلى رأس هذه العوامل هؤلاء الأشخاص الذين
فقدوا سلطتهم ونفوذهم بقيام الثورة، وكانت الثورات المضادة في القرن التاسع عشر
تتم عادة عن طريق أعضاء الطبقة الأرستقراطية ورجال الدين أو أصحاب الرتب الكبيرة.
وتعمل الثورة المضادة على السعي المستمر من أجل
القضاء على الثورة وعلى مبادئها بكل السبل ومختلف الطرق، ويقوم بها كل من تتعارض
مصالحه وأهدافه الخاصة مع الأهداف العامة التي أعلنتها الثورة، ولكن ليس دائماً
يتحقق النجاح في تلك الثورات المضادة[8].
أما بالنسبة للمراحل التي تمر بها الثورة فهي تختلف طبقا للزمان والمكان
والشخصيات وأهداف الجماعة الثورية ، ويري "والترليكوير W.Lequer" أن هناك ثلاث
مراحل للثورة :
مرحلة ما قبل الانفجار: ومن مظاهر هذه الفترة وجود الإضطرابات والقلق، وظهور الإضرابات وتكوين
التجمعات، وبداية إستخدام العنف، ومحاولات الخروج الكلي أو الجزئي على القانون
والنظام[9].
مرحلة العدل: فبعد أن تصل الحركات الثورية إلى الإستيلاء على القوة تعمل على إتحادها مع
الجماعات والقطاعات المختلفة من أجل إعادة تقديم الخدمات الأساسية وعودة الحياة
الطبيعية للمجتمع.
مرحلة ما بعد الثورة: وتلك هي آخر مرحلة من مراحل الثورة سواء فشلت هذه الثورة عن طريق قوة
الثورة المضادة، أو موت قائدها، أو بسبب الفوضى التي أستٌخدمت فيها ، وقد تنجح
الثورة وتحقق الأهداف التي اندلعت من أجلها.
إرسال تعليق