507575571559024578975075775024306753790756754506735719003007773507540230757057202507579075705795075730757636076770670676697076768076720206706706360790343707607570674938697202349307676

حضارت العصور الحجرية "مرمدة بنى سلامة ـ دير تاسا ـ منخفض الفيوم" أشهر حضارت العصر الحجرى الحديث

عصور ما قبل الأسرات

بقلم (عماد حمدي)

      يقسم العلماء هذا العهد الطويل فى مصر إلى ثلاثة أقسام : العصر الحجرى القديم، والعصر الحجرى الحديث، ثم عصر بداية المعادن أو عصر ما قبل الأسرات.

العصر الحجرى القديم:

      يعد هذا العصر هو أطول العصور ما قبل بداية التاريخ لأنه يشمل أغلب العصر المعروف عند الجيولوجيين باسم البلايستوسين، وكانت حضارات الإنسان فيه بدائية، لم تختلف فى مصر عن غيرها من جهات العالم القديم، كما كان النيل مختلفاً فى جريانه وامتداده عنه فى الوقت الحاضر، فكان ينبع فى بلاد النوبة وشمال السودان، ولا تمتد منابعه إلى هضبة الحبشة ولا فى الهضبة الإستوائية، وإنما كان نيل مصر والسودان ـ كما يمكن أن نسميه ـ يعتمد على الأمطار المحلية فى حوضه الشمالي خلال ما يعرف بالعصر المطير.

       كذلك لم تكن صحارى مصر والسودان كما هى عليه الآن من جفاف، وإنما كانت تسقط بها أمطار متوسطة، اكتست بسببها أرض الصحراء بالأعشاب والأشجار المتفرقة، وعاش الحيوان وسعى الإنسان متنقلاً فى تلك البيئة المكشوفة، وقد عثر على الآلات حجرية من هذا العصر فى جهات متفرقة من صحارى مصر، كما وجدت بعض تلك الآت مطمورة فى مدرجات نهر النيل ورواسبه الجانبية.


      والشئ الطريف أن مصر بدأت أول الأمر متشابهة تمام الشبه مع غيرها من أقطار العالم القديم، ولكن حضاراتها الحجرية أخذت بالتدريج تتخذ طابعاً محلياً خاصاً، ميزها عن غيؤها من الأقاليم، والظاهر أن الجفاف أخذ يحل بالتدريج، فقل النبات فى الصحراء، وهجرها الحيوان والإنسان إلى مجرى النيل أو إلى قيعان بعض الواحات، وأدى ذلك إلى تطور الحضارة فى مصر تطوراً محلياً، أعطاها فى النهاية طابعها المصرى الخاص.

      ثم أخذ ذلك الطابع فى التطور والوضوح، حتى إذا ما جاء العصر الحجرى الحديث كانت حضارة مصر والسودان قد اختلفت تمام الإختلاف عن حضارات غيرها من بلدان العالم القديم، بما فى ذلك فلسطين والشرق الأدنى، رغم ما بينها وبين هذا الشرق من صلات القربى فى المكان والسكان.

العصر الحجرى الحديث:

      وبدأ العصر الحجرى الحديث فى مصر فى أواخر الألف السادسة قبل الميلاد، وبظهوره كان الإنسان قد تعلم استنبات النبات ولا سيما القمح والشعير واستئناس الحيوان ولاسيما البقر والأغنام والخنازير، كما تعلم صناعة الفخار وصقل الآلات الحجرية وإتقان صنعها.

حضارة قرية مرمدة بنى سلامة:

      وبذلك كله تقدمت الحياة والمدنية، وخطت نحو الإستقرار والإرتباط بالأرض والإقليم المحلى أول الأمر، ثم بالوطن الكبير بعد ذلك، وقد عثر على آثار الإنسان من هذا العهد فى جهات مختلفة من مصر قرب  مرمدة بنى سلامة قرب الخطاطبة الحالية، عثر على قرية قديمة، يقال أنها أقدم قرية عرفها التاريخ أو ما قبل التاريخ.

موقع القرية:

      تقع مرمدة بنى سلامة فى شمال غرب القاهرة، على بعد حوالى 51 كيلو متر من العاصمة، وهي تقع بالتحديد على الحافة الغربية للدلتا، وهي تتبع إداراياً مركز إمبابة.

طبيعة الحياة:

      وكان الناس يعيشون فيها فى أكواخ صغيرة من القش المغطى بالطين، يفلحون الأرض الطيبة على حافة الوادى، ويربون الحيوان ولا سيما الخنازير والأغنام، ويقتنصون صيد النهر، ويصطادون فى الماء والمستنقعات، كذلك كان النظام الإجتماعى على شئ ظاهر من التقدم الوتعقيد، فالقرية كان يتوسطها طريق أو شارع، أى أنها كانت مخططة تخطيطاً بدائياً، ولكنه يدل على أن الأفراد لم يكونوا أحراراً يقيمون أكواخهم حيث شاءوا،وإنما كان هناك حكم يردهم إلى شئ من النظام، وتلك مرتبة لم تبلغها كثير من الجماعات إلا فى عصور متأخرة، بل لم تبلغها بعض الجماعات حتى الآن.

      وفضلاً عن ذلك فقد كانت مرمدة بنى سلامة قرية كبيرة تمتد لأكثر من نصف كيلو متر، وكان أهلها على شئ من التقدم الروحى، لهم معتقداتهم التى تقوم على  الإيمان بالبعث، فهم كانوا يدفنون بعض الزاد مع موتاهم الذين وجدت مقابرهم بين المساكن،وتوجه فيها وجوه الموتى نحو الشرق، كأنما تستقبل الشمس المشرقة أو تواجه النيل والماء والأرض الطيبة مصدر الحياة والخيرات.
أداوت معدنية من مخلفات حضارة مرمدة بني سلامة

حضارة دير تاسا:

      وفى مصر العليا وجدت آثار هذا العهد فى مكان يدعى دير تاسا بمديرية أسيوط، ولكنها آثاراً أفقر كثيراً من آثار الدلتا، فالمساكن قليلة مبعثرة مما يدل على قلة السكان، والقرى أو ما يشبهها ليست مخططة، مما يدل على أن النظام الإجتماعى لم يكن بلغ من الشأن ما بلغ فى مصر السفلى آنذاك. كذلك كانت مقابرهم بعيدة عن أكواخ السكن، مما يدل عى أنهم كانوا مختلفين عن سكان الشمال حتى فى معتقداتهم الدينية.

      وتعود هذه الحضارة إلى ما يقارب 4200 قبل الميلاد، وقد عثر فيها على الفؤوس وأقداح وكؤوس على هيئة الزهر وأدوات زينة تكاد تقتصر على خرزات من صدف أو عظم أوعاج، هذا وقد تميزت هذه الحضارة بصناعة الفخار الأسود وكان الفخار لديهم أرقى من فخار أهل المناطق الأخرى التى عاصرتهم من ناحية الشكل الوجودة الزخارف.
أوانى فخارية تعود لحضارات ما قبل التاريخ
      وكانت مقابرهم عبارة عن حفرة برميلية ذات أركان ملفوفة ويكفن المتوفى فيها بلفائف من الجلد أو الكتان أو الحصير بما يتفق مع ثراء أهله وتوضع معه آنية أو أكثر من الفخار مع بعض الأدوات التى يستخدمها فى حياتهوبعض الحلى وأدوات الزينة ويرقد على جانبه الأيسر على هيئة انثناء أو قرفصاء وكانوا يدفنون ناظرين تجاه جهة الغرب.
دفن الموتى على هيئة القرفصاء

حضارة منخفض الفيوم:

      وبين الوجهين هناك منخفض الفيوم، وكانت تقع فيه بحيرة كبيرة أعلى كثيراً من بركة قارون الحالية، عاشت جماعات البشر على حافتها، واشتغلت بزراعة الشعير والقمح ورعى الأغنام وصيد البر والبحر، ولكن جماعات الفيوم اختلفت من بعض الوجوده عن جماعات وادى النيل.

      فالحياة هنا لم تكن مرتبطة بماء النيل وفيضانه، وإنما كانت الزراعة تعتمد على بعض الأمطار المحلية، إذ المعروف الآن أن بحيرة الفيوم فى العصر الحجرى الحديث قد انفصلت عن النيل، وأن الأمطار تجددت بعض الشئ بعد أن كان الجفاف قد حل بانقضاء العصر المطير بالمعني الصحيح، فكانت الزراعة فى اراضى الفيوم تعتمد على الأمطار الشتوية القليلة بدلاً من الإعتماد على الرى كما هى الحال فى وادى النيل.

      كذلك كانت حياة الزراع فى الفيوم تختلط بحياة الرعاة الليبيين، وتتأثر بطرائق الصيادين المشتغلين بصيد الأسماك فى البحيرة، فهي إذن كانت حياة مختلفة ذات طابع يختلف من بعض الوجوده عن حياة سكان الوادى في العصر الحجرى الحديث والبلاد اللاحقة به.

خلاصة:

       والحق أن الأصل المباشر للحضارات التاريخية فى مصر ينبغي أن نبحث عنه فى وادى النيل ذاته، لا فى الواحات المجاورة كما قال بعض الباحثين، ولا فى خارج مصر إلى الشرق فى آسيا المجاورة أو إلى الجنوب فى إفريقية الشرقية كما كان يقال إلى وقت قريب.

       ولئن كان مصر قد تأثرت من غير شك بجميع هذه البلدان المجاورة والمخالطة، فإن هذه المؤثرات الخارجية إنما أضافت إلى تنوع مظاهر المدنية والحضارة فى مصر، ولكنها لم تطمس معالم الحضارة المصرية القديمة ولم تطغ عليها.




تعليقات
لايوجد تعليق