نشأة طراز
المدارس في العمارة الإسلامية بمصر:
بقلم (عماد حمدي)
مدرسة الصالح نجم الدين أيوب |
إن بناء المدرسة[1] بتصميمها الخاص وبنظامها المدرسي والمرتبات التي قررت لأساتذتها وطلبتها وتعيين
المدرسين والمعيدين بها والمراقبين لطلبتها والأوقاف التي رصدت عليها وتخصيص أماكن
لإقامة الطلبة فيها لم يكن معروفاً في مصر حتى نهاية الدولة الفاطمية، ولما كانت
السلطة مركزة في وزرائها حينئذ فقد انتهزوا الفرصة للقضاء على التشيع وأنشأوا
المدارس السنية المذهب[2].
ومما لا شك فيه أن إنشاء
المدارس كان بداية عهد جديد فى تطور العمارة الإسلامية، وبخاصة العمائر الدينية من
جهة وفى ازدهار الحركة العلمية فى أقطار العالم الإسلامي من جهة أخرى، وإذا كانت
المدراس وجدت طريقها إلى مصر فى أواخر العصر الفاطمي، إلا أنه لم يقدر لها الانتشار
إلا فى العصر الأيوبي حيث بلغ عدد المدارس المعروفة حتى الان التي شيدت خلال ذلك
العصر نحو خمس وعشرين مدرسة منها اثنان وعشرون مدرسة بالقاهرة، ومدرستان بالفيوم
ومدرسة واحدة بالإسكندرية[3]،
وقد ظهرت هذه المدارس في
العصر الأيوبي لتوطيد دعائم الإسلام السني ومذاهبه الأربعة، وذلك بعد أن دانت مصر
بالمذهب الإسماعيلي الشيعي لسنوات طويلة[4].
وبسبب أن الأيوبيين كانوا يعتنقون المذهب الشافعي، فإنهم كانوا يسمحون فقط
ببناء مسجد جامع واحد في نطاق كل منطقة، وبدلاً من المساجد الجامعة قاموا ببناء
المدارس والتي لم يبق منها سوى القليل[5]،
وكانت المدارس في بداية نشأتها في العصر الأيوبي تؤسس ضمن نطاق المنازل أو القصور
الخاصة، وفى مثل هذه الحالات نستطيع أن نتخيل أن قاعة الاستقبال الخاصة بالمنزل
تعد لتكون مكان للعبادة وتجمع الدارسين، في حين أن المطبخ يؤدى وظيفته المعتادة
لإعداد الطعام بينما تأوي الشقق الخاصة الطلاب الدارسين، هذا وتقام
الصلوات العادية في قاعة الاستقبال الرئيسية بالمنزل، في حين أن الدارسين كان
لزاماً عليهم الانتقال إلى المساجد الجامعة في حالة صلاة الجمعة، وبالإضافة إلى
ذلك، فإننا لا نعرف إن كانت تلك البيوت والقصور المعدة كمدارس قد احتوت على مآذن
أم لا[6].
وكانت الدور السكنية تستخدم كمدارس وعلى سبيل المثال المدرسة القمحية في
عهد صلاح الدين الأيوبي عام (566ه/1170م) وهو ما يؤكد تأثير المسكن وبالأصح القاعة
بالمسكن على مسقط المدرسة، فالقاعة في المسكن تتكون من إيوان ودور قاعة أو إيوانين
يحصران بينهما دور قاعة، وكان الإيوان هو المكان المفضل للاستعمال كفصل دراسي، كما
أن الوثائق المملوكية تشير إلى صحن المدرسة بكلمة دور قاعة وهو نفس الاصطلاح
المطلق على الفراغ بين الإيوانين بالقاعة السكنية وعلى هذا فإن القاعة بالمسكن
كانت العنصر الأساسي الذى قام عليه تصميم المدرسة[7].
ولعل أول المدارس المصرية المعروفة لدينا والتي أقيمت بالإسكندرية وهى
المدرسة المعروفة بالمدرسة العوفية نسبة لابن عوف الزهرى، وهى التي أنشأها الوزير
رضوان الدلخشى وزير الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله عام (532ه/1137م) والمدرسة
السلفية أو الحافظية والتي أقامها الوزير الحسن على بن السلار الشافعي المذهب في
عهد الخليفة الفاطمي الظافر (544-549ه/1149-1154م) ودرس بها الحافظ ابى طاهر
السلفي في عام (544ه/1149م) قد تأثرت تماما بمساقط المنازل، إلا أن المصادر لم
تفيدنا عن تفصيلها المعمارية، كما أنشأ صلاح الدين الأيوبي عام (566ه/1170م)- وكان وقتئذ وزيراً للخليفة العاضد لدين الله – المدرسة الناصرية بجوار جامع عمرو من الناحية الجنوبية[8].
وفى نهاية العصر الأيوبي أصبحت المدرسة مكونة من صحن يفتح عليه إيوانان
أحدهما بالجهة الجنوبية الشرقية – اتجاه القبلة في مصر – والآخر بالجهة الجنوبية
الغربية المقابلة، وعلى الجهتين الآخريين توجد غرف الدارسين، والمدرسة الصالحية
(640-641ه/1242-1243م) تعطينا خير مثال على مدراس تلك الحقبة من الزمن، وبنيت هذه المدرسة
بواسطة السلطان الإيوبي الأخير وهو الملك الصالح نجم الدين أيوب على الجانب الشرقي
من منطقة بين القصرين وتحديداً في منطقة النحاسين[9]،إذ
أنها تتكون من كتلتين من المباني يفصلهما دهليز، وكل كتلة عبارة عن صحن وإيوانين
معقودين بقبو دائرى مدبب (لوحة 23)، وخصصت هذه المدرسة لدراسة المذاهب الأربعة
"الشافعي، الحنبلي، الحنفى، المالكى" واختصت كل كتلة لدراسة مذهبين[10].
[1] المدرسة هي المسجد من حيث
أداء الرسالة الدينية، فكلاهما أعد للجمعة والجماعة، إلا أن تخطيط المدرسة يختلف
عن تخطيط المسجد، فقد اقتبس تصميمها من تصميم القاعة الفاطمية المصرية، وهى عبارة
عن إيوانات معقودة متعامدة حول صحن مكشوف أو مغطى، ويحلق بها عادة قبة لدفن المنشئ
وسبيل يعلوه كتاب ومساكن للطلبة، وبخلاف المسجد الذى كان يضم أربعة إيوانات مسقوفة
تشتمل على عدة أروقة أكبرها رواق القبلة، وإلى أن ظهرت المدرسة كان المسجد لا يلحق
به مدفن للمنشئ. للمزيد: انظر: حسن عبد الوهاب: نشأة المدارس بمص ص90 وما بعدها.،
[2] حسن عبد الوهاب: نشأة المدارس
بمصر، ص90.
[4] علياء عكاشة: العمارة
الإسلامية، ص61. محمد حمزة إسماعيل
الحداد: بحوث ودراسات في العمارة، ص219.
Doris Behrens Abouseif: Change in
Function and Form of Mamluk Religious Institutions, AnIs21,[6]
إرسال تعليق