تطور العناصر
المعمارية للمباني الدينية في عصر الدولة الفاطمية:
بقلم (عماد حمدي)
ظلات القبلة:
تميز العصر الفاطمي باستمرار استخدام نظام الصحن الأوسط المكشوف الذى يحيطه
أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، وكانت الأروقة[1] والعقود في رواق القبلة موازية لجدار القبلة مما يؤكد أيضاً صفوف المصلين ويؤكد
على استمرارية الفراغ في ظلة القبلة، كما استخدم في العصر الفاطمي المجاز القاطع
في رواق القبلة وذلك لتحديد المسار الحركي لاتجاه المصلين داخل الجامع،
كما عمل المجاز أيضاً على توفير الإضاءة الطبيعية للمسار حتى عمق الرواق أمام
المحراب وذلك من خلال النوافذ في فرق المنسوب بين سقف الظلة وسقف المجاز.
الصحن:
استمر استخدام الصحن الكبير المكشوف في جوامع العصر الفاطمي، ولكن ظهر نمط
جديد في مسجد الأقمر إذ كان صحن المسجد صغير نسبياً .
صحن جامع الأقمر بشارع المعز لدين الله |
الفسقية:
الفسقية هي الحوض المعد للوضوء والاغتسال على العادة
المتبعة في الاستعداد للصلاة في المساجد، أو بمعنى آخر هي الميضأة التي كانت تتوسط
المساجد والمدارس، وهى على هيئة قبة صغيرة ترتكز على أعمدة رخامية أو حجرية أو
خشبية[2]،
هذا وقد ظهرت الفسقية في جامع الحاكم بأمر الله الفاطمي في وسط الصحن وتعلوها قبة
صغيرة .
المداخل:
وكما وجدت ظاهرة تعدد الأبواب في مساجد عصر صدر الإسلام
والعصر الطولونى، فقد ظلت ظاهرة تعدد الأبواب موجودة في العصر الفاطمي، هذا وقد
كانت جميع الأبواب في الحوائط الجانبية والخلفية للمسجد عدا حائط القبلة، ونجد في
جامع الأزهر أن الأبواب ارتبطت ارتباطاً مباشراً بمحاور الصحن وليس بمحور الكتلة
البنائية للجامع، وكان المدخل الرئيس لجامع الحاكم بأمر الله في منتصف الواجهة
الشمالية الغربية هذا بالإضافة إلى وجود عدد من المداخل الثانوية.
وقد تميز العصر
الفاطمي بوجود ظاهرة المداخل التذكارية (شكل 37، لوحة 34) والتي تبرز عن كتلة
الواجهة مثل المدخل الرئيسي لجامع الأقمر وجامع الحاكم بأمر الله، كانت الجامع
الأقمر هو النموذج الأول الذى يظهر فيه المدخل التذكارى البارز وجاء هذا النمط متأثراً
بجامع المهدية بتونس، وظهرت أيضاً ظاهرة المداخل المنكسرة مثل مدخل جامع الأقمر
(شكل 38، لوحة35)، وقد أدى وجود المدخل المنكسر إلى زيادة الحفاظ على خصوصية
المسجد وتوفير الخصوصية والسكينة اللازمين للمصلين، وكان من أهم وظائف المدخل
المنكسر هو التدرج فى الانتقال من حالة الفراغ الخارجي نحو الفراغ الداخلى المغطى
ثم المكشوف، وتم تأكيد المدخل بوضعه في قوصرة كبيرة معقودة بطريقة مختلفة عن باقى
القوصرات يتوسطها المدخل[3].
نموذج للمدخل التذكاري البارز |
مدخل جامع الحاكم بأمر الله التذكاري |
مدخل جامع الأقمر بشارع المعز |
مدخل جامع الأقمر بشارع المعز |
المآذن:
ونلاحظ في العصر الفاطمي (325ه-567ه/969-1171م) أن
المئذنة تتكون من طابقين: الجزء السفلي ذو قطاع مربع وفى بعض الأحوال مدرج، ويوجد
أعلاه طابق ثان مثمن منخفض الارتفاع بالنسبة للطابق الأول وينتهي بقبة، ومن مآذن
هذا العصر مئذنة جامع الحاكم (الجزء العلوى من أعمال السلطان بيبرس الجاشنكير
709ه/1309م)، ومئذنة مسجد الجيوشي (478ه/1085م)،
ومئذنة مسجد ابى الغضنفر (552ه/1157م) وتتشابه مآذن هذ العصر مع أبراج الكنائس
السورية، كما نرى في ذلك العصر أيضاً بعض المآذن من ثلاثة طوابق: الأول مربع المسقط
قليل الارتفاع، والأوسط عبارة عن أسطوانة مرتفعة والثالث مثمن القطاع ينتهي من
أعلى بفانوس أو بقبة، وتعطينا مئذنة الجامع الكبير باسنا (474ه/1081م) بجنوب مصر فكرة عن شكل تلك المآذن، وقد الحق بهذه المآذن شرفة خشبية محمولة على
"كباش" من الخشب وتوجد هذه الشرفة اسفل الفانوس أو في منتصف الطابق
الأوسط[4].
تفاصيل مئذنة جامع الحاكم بأمر الله |
المئذنة الغربية لجامع الحاكم بأمر الله |
تفاصيل مئذنة مسجد ورباط الجيوشي بالمقطم |
مئذنة مسجد ورباط الجيوشي بالمقطم |
مئذنة الجامع الكبير بإسنا |
هذا وقد تميز العصر الفاطمي بظاهرة تشييد المآذن فوق
المدخل ، وهو ما يؤدى إلى تأكيد موقع المسجد من خلال وجود المئذنة، هذا
وقد شيدت مئذنتى جامع الحاكم بأمر الله في زوايا المسجد ناحية المدخل ويرجع ذلك
بطبيعة الحال إلى تشييد المسجد خارج سور القاهرة الأول، وقد استغل المعمار تلك
النقطة لأنه وجد المرونة الكافية في إيجاد نوع من التوازن والتماثل والتناغم بين
أجزاء البناء، ومع وجود قبتان بالجهة المقابلة للمئذنتين بالإضافة إلى قبة المحراب
كان الشكل العام للبناء فائق الروعة، وكانت مادة بناء المآذن في هذا العصر هو
الطوب وندر استعمال الحجر إلا أنه استخدم في تشييد مئذنتى جامع الحاكم بأمر الله
ومئذنة جامع الجيوشى.
وجود المئذنة فوق المدخل بجامع الأقمر |
وجود المئذنة فوق المدخل بجامع الأقمر |
المحراب:
وفى العصر الفاطمي
عملت بمصر محاريب خشبية متنقلة مثل محراب الخليفة الآمر (519ه/1125م) بجامع الأزهر
كما وجد محراب خشبي في مشهد السيدة رقية (شكل 44،43)، ويوجد المحرابان السابق
الإشارة إليهما حالياً بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، إلا أن اقدم هذه المحاريب
الخشبية وجد في جامع القيروان بتونس، وبجانب المحاريب الخشبية وجدت محاريب جصية في
العصر الفاطمي، فنرى أقدم مثال لها في جامع الأزهر عام (361ه/972م)، هذا ولم تعمل
محاريب جصية بعد عام (703ه/1304م)، ومن هذه المحاريب نماذج بلغت منتهي الرقي مثل
المحراب المستنصري سنة (487ه/1094م) بالجامع الطولونى (لوحة38)، ومحراب مشهد إخوة
يوسف سنة (478ه)، وقد انفرد هذا المشهد بتخطيطه وبدقة وتنوع زخارفه وكتاباته، كما
امتاز بوجود دعائم في جانبيه انتهت قمتها بقبة مصغرة لقبته الكبيرة فوق المحراب[5]،
وفى هذا العصر تم التأكيد على موقع المحراب ببروز كتلته عن سمت الجدار لتأكيده.
تفاصيل المحراب |
المنبر:
في العصر الفاطمي، تم
استخدام مادة الخشب أيضاً في تشييد المنابر، ومنابر عصر الدولة الفاطمية منابر
خشبية تقليدية تبرز عن حائط القبلة بجوار المحراب، هذا وقد وجد في جامع الصالح
طلائع ملقف هواء خلف مقعد الخطيب بالمنبر، وهى محاولة لاستخدام العناصر المعمارية
لمواءمة الظروف المناخية المؤثرة في المكان[6].
[1] هذا وقد تم تغطية أروقة بعض
المساجد بقباب ضحلة تقوم على مثلثات كروية مقعرة مثل جامع الأقمر فقد غطيت أروقته
بمثل تلك القباب ما عدا الرواق المجاور للمحراب فقد غطى بسقف خشبي مسطح، ويري
كريسويل أن هذا النوع من التغطية يعود إلى عصر السلطان برقوق بدولة المماليك
البرجية، على الرغم أن هذه الظاهرة وجدت من قبل في ضريح آل طبا طبا وكذلك في باب
الفتوح وباب النصر ومشهد أخوة يوسف. سعاد ماهر محمد: مساجد مصر، الجزء الأول،
ص325.
إرسال تعليق