بقلم / عماد حمدي
عمود السواري:-
من أشهر معالم الإسكندرية القديمة ذلك النصب التذكاري الروماني المسمي عمود
السواري الذي كان دائماً موضع اعجاب الجميع على مر العصور وذلك لفخامته وتناسق
أجزائه في نفس الوقت، حتي إن كثيراً من القصسص قد نسجت حوله ومنها ما يحكي أـن
اثنين وعشرين شخصاً تناولوا الغذاء فوق تاجه.
يقع العمود في مكان بارز بين الآثار القديمة على الهضبة المرتفعة مما يسمح
برؤيته من مسافة بعيدة، وقد صنع من حجر الجرانيت الأحمر، وبدن العمود عبارة عن
قطعة واحدة طولها 20.75متر وقطرها عند القاعدة 2.70متر وعند التاج 2.30متر، أما
الارتفاع الكلى للعمود بما فيه القاعدة والتاج فيصل إلى 26.85متر.
تسميات العمود:-
أطلق على هذا العمود هدة تسميات عبر العصور المختلفة، فعرف هذا العمود خطأ
منذ الحروب الصليبية باسم عمود بومبي، ويرجع هذا الخطأ إلى أن الصليبيين ظنوا أن
رأس بومبي – القائد الرومانى الذي هرب إلى مصر فراراً من يوليوس قيصر واغتيل في ظروف
غامضة- قد وضعت في جرة جنائزية ثمينة فوق تاج العمود، تأثراً منهم بما ابتع من وضع
رماد جثة الإمبارطور الروماني تراجان في جرة جنائزية فوق عموده القائم بروما.
وقد
وصل الصليبيون إلى هذا الظن استناداً إلى ما كتبه المؤرخ العربي الشهير السيوطي في
القرن الثاني عشر الميلادي حيث ذكر أنه شاهد قبة فوق تاج العمود ظنها الصليبيون
الجرة الجنائزية المشار اليها وذلك بالإضافة إلى الخطأ الذي وقعوا فيه نتيجة
للرسومات التي ظهرت في القرن 16 للعمود وفوقه تاجه كره، أماة تسمية العمود باسم عمود
السواري فترجع للعصر العربي وربما جاءت التسمية نتيجة لارتفاع هذا العمود الشاهق
بين أربعمائة عمود تشبه الصواري والتي أشار اليها السيوطي، ولهذا اطلق عليه
"ساري السواري" وحرف بعد ذلك إلى عمود السواري.
ويحدثنا المقريزي أن عمود السواري كان يتوسط رواقاً يضم 400 عموداً قذف ببعضها في البحر حاكم الإسكندرية "
أسد الدين قراجا" في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 1167م ليزيد من
تحصينات المدينة، وقد عثرت البعثة الفرنسية للآثار الغارقة في عام 1997 في الميناء
الشرقي على كثير من القطع التي تنتمي إلى
هذه الأعمدة.
ولقد استخدمت في إقامة اساسات هذا النصب أحجار يرجع بعضها إلى مبانى قديمة
كما يظهر من النقوش المحفورة على كثير منها، ففي الجانب الشرقي من قاعدة العمود
وجد نقش يوناني ينص على أن أحد السكندريين المسمي (سستور ابن ساتيروس) أقام
تمثالاً للملكة أرسينوي فيلادلفيوس الأخت الشهيرة لبطليموس الثاني وزوجته في نفس
الوقت.
وفوق هذه الكتلة الحجرية وجدت كتلة من الحجر الصوان عليها خانة ملكية مقلوبة
تحمل اسم الملك ابسماتيك الأول وهو من ملوك الأسرة 26، كما وجدت كتلة أخرى من نفس
الحجر منقوشة بالهيروغليفية بنيت في الأساس وهي داخل فتحة في الجانب الغربي تحمل
اسم الملك سيتي الأول من ملوك الأسرة 19، كما وجدت بالأساس قطعة غيرها كتبت
بالهيروغليفية محفوظة الآن بالمتحف البريطاني عليها جزء من اسم الملك سنوسرت
الثاني أو الثالث وكلاهما من ملوك الأسرة12.
ولا تهدينا كل هذه النقوش إلى نسبة العمود أو تاريخه لأنها تقع جميعها داخل
أساسات القاعدة حتى أنه اطلق على العمود أسماء متباعدة في زمنها التاريخي فقد سمي
العمود باسم عمود بومبي، ومعني هذا أنه بني قبل خضوع مصر لروما أو سمي بعمود
ثيودوسيوس وبذلك يرجع تاريخه إلى العصر البيزنطي، كما قيل أن العمود أهدي للمسيحية
بعد انتصارها في 391م، ومعني هذا أن العمود وثني لأن السكندريين لم يكن لديهم
القوة لإقامة نصب بهذا الحجم وفي ذلك كله خطأ.
ولكي نتبين حفقيقة نسبة هذا العمود علينا أن نرجع إلى نقش يوناني قديم موجود
على جانب القاعدة الغربي، ولقد آثار هذا النقش جدلاً علمياً كبيراً لأن السطح
الجرانيتي قد تآكل بفعل الزمن، ولذلك فالنقش غير كامل في بعض أجزائه وهو محفور في أربعة
سطور ونصه " إلى الإمبراطور العادل، الحامي للإسكندرية دقلديانوس الذي لا
يقهر أقام بوستوموس والى مصر هذا العمود".
أقيم هذا العمود بعد أن اخمد الإمبراطور دقلديانوس الثورة التي قام بها في الإسكندرية
القائد الروماني لوكيوس دوميتيوس دوميتيانوس المقلب بأخيل ولقد اعترفت به المدينة
وأيدته في ثورته فجاء الإمبراطور دقلديانوس بنفسه إلى مصر في النصف الثاني من القرن
الثالث وسقطت الإسكندرية بعد حصار دام حوالى ثمانية أشهر، وكان من جراء هذا كله أن
ساد بالمدينة النهب وخرب جزء كبير منها، وفقدت المدينة جزءاً من تجارتها الشرقية.
ولكن الإمبراطور دقلديانوس أقام بالمدينة بعض الوقت وأرجع اليها جزية القمح التي
كانت روما تجمعها سنويا من مصر وأمر بتوزيعها مجاناً على الفقراء من سكان المدينة،
وأصلح من نظام إدارتها مما جعل الناس يتحدثون بفضله فأقيم هذا العمود ونقش عليه
النص سالف الذكر تخليداً لذكراه وتعبيراً عن شكر السكندريين له وتحدثاً بكرمه
وفضله، وقد يفهم من النص أن تاج العمود كان يعلوه تمثالاً للإمبراطور أسوة بما
اتبع في كثير من الأعمدة للأباطرة السابقين.
إقامة العمود:-
أما عن أقامة العمود فمن المعروف أنه بعد قطعه من محاجر الجرانيت عند أسوان
نقل بطريق النيل ثم حمل في الترعة التي تمد الإسكندرية بالماء العذب، والتي كانت
تبعد في جزء منها ىعن الأكروبوليس بمسافة 570متر
تقريبا، ومن الترعة نقل العمود إلى حيث يقف الآن.
هذا وقد اتخذت محافظة الإسكندرية من هذا العمود شعاراً لها وكذلك قام أحد
بنوك الإسكندرية (بنك الإسكندرية) باتخاذه شعاراً له باعتبار أن هذا الأثر هو أشهر
الآثار المتبقية من العصر اليوناني الروماني في مدينة الإسكندرية.
إرسال تعليق