المنارات نوع عرف على السواحل المصرية
قبل عصر الإسكندر الأكبر وتعتبر منارة الإسكندرية من عجائب الدنيا السبع القديمة
وقد بناها المهندس سوستراتوس من كنيدوس خلال عصر الملك بطليموس الثاني حوالى
285-246 ق.م، وقد عرف هذا المهندس عموما على أنه أبو المنارات، وسواءاً اكتسبت
الجزيرة اسمها من المنارة المبنية عليها أو أن المنارة اكتسبت اسمها من الجزيرة
فهذا غير مؤكد فكلمة فاروس تطلق على المنارة في جميع اللغات، فالمنارة في اللاتينية
بمعني Pharu وفى الأسبانية
والإيطالية بمعني Faros،
والفرنسية بمعني Phare،
وكلمة Pharos تستخدم كثيراً في
الإنجليزية.
كما سبق القول فقد قام المهندس
سوستراتوس ببنائها وأذن له الملك البطلمي بنقش اسمه على هذا الصرح كنوع من
الإعتراف بالفضل وقد صاغ الإهداء إلى الآلهة لهؤلاء الذين يسافرون بواسطة البحر،
وفيما يتعلق بهذا النقش فإن المؤرخين قد أكدوا أن المهندس سوسترواتوس الذى كان على
علم تام بأساليب الولاه آنذاك خشي أن يحولوا هذا المبني إلى نصب تذكاري ليس له
ولكن لولى نعمته الملك ولذلك بمجرد انتهائه من هذا النقش السابق ذكره قام بتغطيته
واخفائه بطبقة جصية وفوقها قام بنقش عبارات أخرى يمتدح فيها الملك فيلادلفوس ولكن
سرعانت ما تلاشى هذا الجزء الجصي بفعل وتأثير مياه البحر وظهر النقش الأصلي.
وقد قام الرومان بتقليد منارة
الإسكندرية مباشرة في مناراتهم مثل منارة Carthage و Ostia،
وفى أيامنا الحاضرة مازالت توجد منارات مشابهة لمنارة الإسكندرية تعتمد في إضاءتها
على النيران المنبعثة منها تظهر من بعيد وعلى سبيل الخطأ وكأنها نجوم.
وقد وصف يوليوس قيصر مدينة الإسكندرية
عند استيلائه عليها في أواخر العصر البطلمي فقال أن منارة الإسكندرية برج مرتفع
جداً ومشيد تشييداً جميلاً، وهذا البرج قائم على جزيرة فاروس الواقعة تجاه مدسنة
الإسكندرية وهي متصلة بالشاطئ بواسطة طريق ضيق مشيد في البحر من الأحجار المنقولة
من محاجر المكس ويعترض هذا الطريق كوبري ضيق محصن.
ولا يفوتنا في هذا المقام ما ذكره أبو
الحجاج يوسف بن محمد البلوي الملكي الأندلسي المعروف بابن الشيخ والذي عاش في الفترة
من 1132-1207م، وزار الإسكندرية في عام 1165-1166م، في كتابه "الفباء"
حيث وصف في الجزء الثاني وصفاً مفصلاً لمنارة الإسكندرية.
وبالرغم من الأبحاث التي تناولت شكل هذه
المنارة إلا أن دراسة العالم تيرش Thiersh
عن هذا الشكل يعتبر من أهم المراجع نظراً
لاعتماد دراسته أيضاً على مباني مشابهة لشكل المنارة مثل بقايا المنارة بالقرب من
أبوصير بمريوط والتي تعتبر صورة مصغرة من منارة الإسكندرية بالرغم من أنها أقل
بكثير منها في الثراء وفى الزخارف.
وكذلك نجد شكل المنارة ممثلاً على أحد
الفوانيس الرومانية المعروضة بالمتحف الروماني، هذا فضلاً عن تمثيل المنارة على
العديد من العملات التي تعود إلى العصر الإمبراطوري الروماني وبخاصة عملات من عصر
الإمبراطور دوميشيان وحتى نهاية القرن الثاني الميلادي.
مواد البناء المستخدمة في بناء المنارة:-
لقد بلغت تكلفة بناء منارة الإسكندرية
حوالى 800 تالينت وإن هذه التكلفة تعتبر رخيصة للغاية حيث إن 800 تالينت تكون
مساوية تقريبا لحوالي 2000 جنيه إسترليني في الآيام الحالية، ولقد سخر العبيد في عملية
إنشائها وقد بنيت المنارة من الأحجار المنحوتة التي استخرجت من محاجر المكس وعملت
لها حلى بديعة من المرمر والرخام والبرونز وأقيمت فيها أعمدة كثيرة جرانيتية
استخرجت خصيصاً من محاجر أسوان ولا تزال آثار هذه الأعمدة الجرانيتية موجودة إلى
الآن حول قلعة قايتباي في قاع البحر.
تشير المصادر أيضاً إلى تواجد معبد
إيزيس على جزيرة فاروس حيث مثلت إيزيس كثيراً بجانب المنارة خاصة على عملات
الأباطرة الرومان وهي المعروفة باسم Isis Pharia مما يدل على أنه كان لإيزيس معبد بالقرب من المنارة ونحن لا نعرف
كثيراً عن هذا المعبد من العصر البطلمي، خاصة أن عملة الإسكندرية من عصر هادريان
سك فوقها شكل ايزيس فاريا وبالقرب من الجزيرة عثر على ذلك التمثال الضخم لإيزيس
والمحفوظ بالمتحف البحري بالإسكندرية، ويقال أن البناء كله كان منيعاً وصلداً
بمعني أنه لا يسمح بنفاذ الماء وصامداً لأمواج البحر المتلاطمة التي كانت تنكسر
على الكتلة الحجرية التي بني منها وخاصة الواجهة الشمالية للمنارة والتي يقال أن
أحجارها كانت ملتصقة ببعضها ليس عن طريق المونة العادية ولكن عن طريق الرصاص
المصهور.
وصف المنارة:-
في القرن الثالث عشر الميلادي أكد
الجغرافي العربي الإدريسي أن المنارة كانت ترتفع
حوالى 600 قدم (حوالى 135متراً) بينما أكدت مصادر أخرى أن ارتفاعها قد يصل إلى
590 قدم، وعموما فمهما كان ارتفاعها وأبعادها فإنه مما لا شك فيه أنها كانت صرحاً
شامخاً معجزاً.
أولاً: البناء الخارجي:-
أقيمت المنارة على قاعدة واسعة مربعة
وكان المدخل لهذه المنارة من الجهة الجنوبية ويؤدي إلى هذا المدخل درج وقد شيدت
المنارة على الطراز البابلي على هيئة ثمانية أبراج كل فوق الآخر وكل منها أصغر
حجماً من الذي أسفله وهو ما يعرف بالنظام الهرمي.
ويبلغ أرتفاع الطابق الأرضي حوالى 60متر،
وهو مربع الشكل به نوافذ عديدة عريضة مزخرفة وحجرات يبلغ عددها 300 حجرة حيث كانت
توضع الآلات ويقيم العمال وينتهي هذا الطابق بسطح في جوانبه أربعة تماثيل ضخمة من
البرونز تمثل Triton ابن Neptun
اله البحار، بينما يبلغ ارتفاع الطابق الثاني حوالى 30 متر وهو مثمن الأضلاع،
والطابق الثالث مستدير الشكل وبداخل البناء سلم حلزوني، وربما كان هذا السلم
مزدوجاً ويتوسطه آله رافعة تستخدم في نقل الوقود إلى المنارة وهناك رأى آخر بأن
السلم كان من الاتساع بحيث يسمح لدواب الحمل نقل الوقود إلى أعلاه.
التفاصيل البنائية للمنارة |
ثانيا: المجمرة:-
في قمة المنارة كانت توجد مجمرة عظيمة
يخرج منها عمود من النار يظل مشتعلاً بصفة مستمرة طوال الليل ويتحول إلى عمود دخان
أثناء النهار ولتزويد هذه المجمرة بالوقود فإن المهندس العبقري سوستراتوس قد صمم
طريقة مذهلة وهي عبارة عن مسطح مائل يرتفع ببطء شديد متسلقاً النصف الأسفل من
المبنى حاملاً عليه الخيول المحملة بالوقود بل وحتي كان من الممكن أن يكون محملاً
بعربات خشبية تجرها خيول تحتوى على الوقود ثم ينقل الوقود بعد ذلك إلى المجمرة عن
طريقى روافع.
ثالثاً: البناء الداخلى:-
المجمرة بأعلى المنارة |
أما الجزء الداخلى للمنارة أو ما يوجد في
باطنها فمعلوماتنا قليلة للغاية وعموماً فإنه يقال أنها كانت تتكون من 300 حجرة
فسيحة يسكنها حامية كبيرة مسئولة عن المنارة، وطبقاً لما يقوله ويرويه العرب
الأوائل، فإن المنارة كانت مبنية من أساس من الزجاج وقيل أن المهندس سوستراتوس قبل
أن يقرر نوع المادة التي سزف يستخدمها كأساس قام باختيار أنواعاً مختلفة من
الأحجار والطوب والجرانيت والذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والزجاج وكل
أنواع العناصر والمعادن الأخرى وأجرى عليها اختبارات مختلفة فوجد أن الزجاج هو
أفضل هذه العناصر والمعادن جميعاً وهو الوحيد الذي يصلح كأساس بالمقارنة بجميع هذه
العناصر الأخرى والمعادن ولذلك فقد استخدمت كتل ضخمة من الزجاج لتكون أساساً
للمنارة.
رابعاً: المرآة:-
في القرن السابع الميلادي كانت المرآه
الضخمة التي توجد في المنارة تعتبر من أروع وأعظم معالمها بل أكدت بعض الأساطير
أنه كان من الممكن خلال هذه المرآه رؤية ومشاهدة كل ما هو موجود في مدينة
القسطنطينية والتي كانت تبعد عنها بمسافة كبيرة، وأنه أيضاً كان من الممكن أن تعكس
هذه المرآه الضخمة أشعة الشمس فتتسبب في حرق كثير من السفن التي تعبر أمامها في البحر
على بعد ميل، وعلى ذلك فإنه بمكن القول طبقاً للرواية العربية أن سوستراتوس بواسطة
هذه المرآة والمجمرة الضخمة التي في قمة المنارة قد استطاع أن يتيح كمية كبيرة من
الضوء أقوي وأعظم وأكثر اختراقاً من اى منارة أخرى في كافة العصور وحتى الحديثة
جداً منها، وأن أفكاره هذه كانت تعتبر أول تفكير في التاريخ بالنسبة لنظرية
العدسات وقبل اختراعها بزمن طويل.
ومن المعروف أن المرايا في العالم القديم
كانت تصنع من الواح من المعادن اللامعة ولكن يقال أن مرآة هذه المنارة بالذات كانت
مصنوعة من حجر شفاف في الغالب هو الزجاج وهذا هو ثابت فعلاً، وقد كانت هذه المرآة
من الضخامة بحيث أن الرجال الذين أنزلوها من مكانها بعد أن استمرت الآلاف من
السنين في ارشاد السفن لم يستطيعوا أن يعيدوها إلى مكانها مرة أخرى- ويقولون ان
الجالس تحتها يمكنه رؤية المراكب التي تبحر في البحر على بعد لا يمكن رؤيتها فيه
بالعين المجردة فهي في هذه الحالة أشبه بالمنظار المكبر بما يجعلنا نظن أن ربما
توصل علماء الإسكندرية إلى طريقة سصنع العدسات منذ أكثر من ألفى عام.
موقع بناء المنارة:-
وعن المكان الذى أقيمت فيه المنارة فنحن
نسلم حتى الآن بأنه هو نفسه المكان الذى يوجد به قلعة قايتباي الواقعة في الطرف
الشمالي لجزيرة فاروس والواقع أن شهادة سترابون يوليوس قيصر تؤيد ذلك:
فأولاً يقول سترابون
قلعة قايتباي المبنية على أنقاد المنارة |
" إن الطرف الشرقي للجزيرة يتكون من صخرة محاطة بالماء من جميع الجوانب
ويعلوها برج من عدة طبقات شيد بشكل بديع من رخام أبيض والواقع أنه على شاطئ منخفض
من كل جانب مجرد من المواني مزين بالصخور كان لابد أن توضع علامة مرتفعة حتى لا
يغيب مدخل الميناء عن أعين الملاحين القادمين من أعالي البحار"
ثم يستطرد قائلاً: "والمدخل الغربي
أيضاص ليس من سهل المرتقى ومع هذا فهو لا يتطلب الكثير من الحيطة، وهو يوصل إلى
ميناء آخر يسمي يونستوس، وفى داخله مرفأ مجوف كبطن الكف ومغلق، أما الميناء الذي
يميزه برج المنار فهو الميناء الكبير والميناءان الآخران ملاصقان له عند طرفيهما
ولا يفصلهما عنهم سوى الطريق المسمي بالهيبتاستاديوم، اى أنه من الممكن أن نقول أن
موضع المنارة كان في الطرف الشمالي الشرقي لجزيرة فاروس.
أما يوليوس قيصر فيقول:-
"يضيق
مدخل الميناء إلى درجة أن أية سفينة لا تستطيع أن تلجه برغم المسيطرين على المنارة
وقد خاف قيصر أن يستولى عليها العدو فأسرع بالاستيلاء عليها وأنزل بها قواته
واحتلها ووضع بها حامية وقد بعث أيضاً إلى جميع البلدان المجاورة يطلب إرسال
المواد الغذائية والمدد عن طرق البحر"، فنجد أن هذه الفقرة تؤيد وجود المنارة
في الجزء الشمالي الشرقي من جزيرة فاروس، لأنه لو كانت المنارة مقامة على صخرة عند
الطرف الغربي للجزيرة على مقربة من مكان المنارة الحديثة لما شعر قيصر بالقلق
ولكان من المحال على سادة المنارة أن يحولوا بأي شكل من الأشكال دون وصول السفن
إلى الشاطئ.
ويقول فلافيوس جوزيفوس:-
عن برج Phazael بالقدس الذي كان ارتفاعه 90ذراع وطول جانب مربع قاعدته 40ذراع ما
يلي:
"إن شكله يشبه شكل منراة
الإسكندرية حيث توجد شعلة دائمة الإضاءة لتكون مصباحاً للملاحين يمنعهم من السير
وسط الصخور والتعرض بذلك لخطر الغرق غير أن هذا أوسع حجماً من ذاك".
ثم يقول في مكان آخر:-
"إن وضوح شعلة المنارة تمتد إلى
مسافة ثلاثمائة ستاديا" وأخيراً فإن نفس هذا الكتاب يقول في الجزء السادس
عشر/ الفصل التاسع عن الآثار اليهودية عند الكلام عن الأبراج التي أقامها هيرودوس في
القدس "إن برج Phazael
لا يقل شأناً عن برج فاروس".
ويتضح من هذه الفقرات التي كتبها شهود
عيان أن عرض المنارة كان يترواح بين 40،50 ذراعاً، أما الارتفاع فإنه طبقاً لتقدير
المسعودي وفلافيوس جوزبفوس وكتاب آخرون كان يترواح بين 100،200 متراً لأن الــ300
ستاديا التي كانت ترى على مسافتها شعلة النار طبقا لما كتبه جوزيفوس يمكن أن تكون
قد قربت إلى أرقام.
الفتح العربي ووصف منارة الإسكندرية:-
اعتبر العرب المنارة من أغرب عجائب
العالم حيث يقول ابن حوقل " أنه ليس على قرار الأرض مثلها بنيانا ولا أدق
عقدا، فهي مبنية من الحجارة المشدودة بالرصاص ونشير هنا إلى أن فكرة استعمال
المعدن مع الحجارة في البناء صحيحة وخاصة في الأعمدة الرومانية العظيمة التي تتكون
من قطعة مستديرة من الحجارة المثقوبة التي توضع بعضها فوق بعض ويخترقها عمود
المعدن الذي يشدها فيما بينها، ولكن بعض الكتاب أساء فهم هذا الفن وظن أن كل بناء
عظيم مثل الأهرام استعمل فيه المعدن كما هو الحال هنا وهذا أمر غير صحيح.
كما وصفت المنارة بأنها راسية في البحر على سرطان من الزجاج، وفكرة أن البناء الهائل كان يرتكز في البحر على سرطان من عقرب أو جعل من زجاج خرافة من غير شك ولكن لها أساسها الصحيح أيضاً، ولقد نص على ذلك "بتلر" عند حديثه عن وصف العرب للمسلتين القريبتين من مبنى قيصرون. كما يصف ابن رسته المسلة على أنها على شكل منارة مربعة تحتها قاعدتان على صورة سرطان من النحاس، ولقد بين "بتلر" أن هذا أمر حقيقي، وأن المسلة التي نقلت إلى نيويورك كانت قائمة على أربع صور من المعدن على هيئة سرطان بين جسم المسلة وقاعدتها ومن هنا جاء الخلط مع المنارة فقيل أنها قائمة هي الأخرى على سرطان من الزجاج، أما بالنسبة لارتفاعها فقيل أنها أعلى بنيان على وجه الأرض وبالغ البعض وقال أن بعضهم رمي بحجر من أعلاها عند غروب الشمس وله رفيق ينتظر في أسفل المنارة فما وصل الحجر إلا بعد مغيب الشفق.
كما وصفت المنارة بأنها راسية في البحر على سرطان من الزجاج، وفكرة أن البناء الهائل كان يرتكز في البحر على سرطان من عقرب أو جعل من زجاج خرافة من غير شك ولكن لها أساسها الصحيح أيضاً، ولقد نص على ذلك "بتلر" عند حديثه عن وصف العرب للمسلتين القريبتين من مبنى قيصرون. كما يصف ابن رسته المسلة على أنها على شكل منارة مربعة تحتها قاعدتان على صورة سرطان من النحاس، ولقد بين "بتلر" أن هذا أمر حقيقي، وأن المسلة التي نقلت إلى نيويورك كانت قائمة على أربع صور من المعدن على هيئة سرطان بين جسم المسلة وقاعدتها ومن هنا جاء الخلط مع المنارة فقيل أنها قائمة هي الأخرى على سرطان من الزجاج، أما بالنسبة لارتفاعها فقيل أنها أعلى بنيان على وجه الأرض وبالغ البعض وقال أن بعضهم رمي بحجر من أعلاها عند غروب الشمس وله رفيق ينتظر في أسفل المنارة فما وصل الحجر إلا بعد مغيب الشفق.
الغرائب التي نسبت إلى المنارة:-
من الغرائب التي نسبت إلى المنارة أن
المرآة العجيبة التي كانت تحملها في أعلاها كانت تعتبر احدي عجائب الدنيا السبع
حيث يري الجالس تحتها مدينة القسطنطينية ويمكن أن يشاهد فيها كل مركب يقلع من
سواحل البحر كلها، أما عن الروايات التي قيلت عن المرآة أنها كانت من حجر شفاف أو
من زجاج مستدير وهذا يدعو إلى التأمل في أنه ربما كان المقصود بذلك عدسة وليس مرآة
وهذا يعني أنه ربما عرفت فكرة التلسكوب في هذا الوقت المبكر.
أما عن التمثال، فإلى جانب المرآة قيل
أن المنارة كانت تحمل في رأسها تمثالا يشير بسبابته نحو الشمس أينما كانت وتمثالا
يشير إلى البحر إذا قرب العدو يطلق دوياً هائلا، أما عن قصة هذا التمثال، ويبدو أن
قصة التمثال الذى يشير إلى الشمس لها أساس تاريخي مثلها مثل السرطان الزجاج كما
أشار إلى ذلك "بتلر"، إذ يظن أنه كان في أعلى المسلة (وليس المنارة)
تمثال يمثل إلهة النصر عند اليونان (وهي نيكي) ذات الجناحين التي تقف على قدم واحد
وتمد يدها اليمني كما كانت العادة في كثير من التماثيل اليونانية، وبسبب تلك
الأعاجيب التي نسبت إلى المرآة وما كان يجاورها من التماثيل والصور ظهرت أسطورة
تاريخية تقول أن ملك الروم احتال حتي يتمكن من تحطيم وهدم رأس المنارة على عهد
الوليد بن عبد الملك وذلك بعد أن اوهم الخليفة أن المنارة مبنية على كنوز من ذهب
وجواهر، وأقنعه بذلك فهدمها حتى يستخرج هذه الكنوز.
مصير المنارة وكيف تم انهيارها:-
نجد أن المنارة قد بقيت تؤدي وظيفتها
على أكمل وجه حتى الفتح العربي في عام 641م، وفى سنة 673هـ زار بيبرس الإسكندرية
للمرة الرابعة وجدد منارة رشيد، وكانت منارة الإسكندرية قد تهدم أعلاها وتصدع
بناؤها وأذنت بالإنهيار فأمر بترميها وتجديد ما تهدم منها وأقام بأعلاها مسجداً في
المكان الذى كانت تشغله قبة أحمد بن طولون التي أقامها بعد أن تهدم الجزء العلوي
من المنارة على أثر زلزال عام 180هـ.
إلا أنه حدث في عام 700هـ أن سقط
المصباح وهناك قصة شائعة تروي في هذا الصدد وهي أن أحد أباطرة العصر البيزنطي هو
الذى أوعز بإسقاط المصباح عندما أراد مهاجمة مصر إذ وجد أن من العسير مهاجمتها
بسبب هذه المرآة التي كانت ترشد عن السفن وهي في عرض البحر وبالتالي يمكن تدميرها
قبل الإقتراب من الشاطئ، فأرسل إلى الخليفة يخبره بأن كنز الإسكندر مخبأ تحب مصباح
المنارة فبدأ الخليفة في هدمها وقبل أن يتدخل أهل الإسكندرية لمنعه كان الطابقان
العلويان قد هدما، أما بالنسبة للسطان الناصر محمد بن قلاوون فقد اتبع سياسة بيبرس
في العناية بثغر الإسكندرية.
ففي الإسكندرية حدث زلزال عنيف في عام
702هـ سبب تهدم كثير من آثار الإسكندرية ومنارتها وسورها وأبراجها فكتب السلطان
إلى والى الإسكندرية يأمر بترميم ما تهدم، على أن العناية بترميم المنارة كانت غير
كافية، إذ نستدل من وصف ابن بطوطة لهذه المنارة عام 725هـ على أن أحد جوانبها كان
مهدما، ويبدو ان سبب ذلك يرجع إلى أن الناصر قد أزمع إقامة منارة جديدة إزاء
المنارة القديمة، فأهمل المنارة القديمة حتى نالت ما نالته من تخريب، فلما زار ابن
بطوطة مصر عند عودته من المغرب 750هـ/1349م وصفها بقوله " وجدتها قد استولى
عليها الخراب بحيث لا يمكن دخولها ولا الصعود إلى بابها".
كان الناصر محمد بن قلاوون قد شرع في بناء
منارة مثلها إزاءها فعاقه الموت عن اتمامها ولاشك أن الناصر محمد كان يود أن يحقق
هذا المشروع فمات دون أن يتمه، واتجه
سلاطين المماليك من بعده وأقاموا المنارة الصغرى عند راس لوخياس المواجهة للمنارة
القديمة، وفى عام 880م قام ابن طولون بترميم المنارة إذ أنشأ قبة خشبية في أعلاها
كما رمم ابنه خمارويه ما كان قد تهدم من قوائمها الغربية.
وقد رممت كذلك في عام 980م حيث زيدت بعض
الإضافات للجزء المثمن الأضلاع ولكنها لم تستطع أن تقاوم الأحداث التي عصفت بها،
إذ أنه في حوالى عام 1100م حلت بها كارثة أخرى فسقط الجزء المثمن أثر زلزال عنيف
ولم يبق منها سوى الطابق الأول المربع الشكل الذى أصبح بمثابة نقطة مراقبة وشيد
فوقه مسجدا، وأخيراً أتى الزلزال الذى حدث في القرن الرابع عشر على البقية الباقية
من البناء وتبعثرت الأحجار المتخلفة عن سقوطه في الجزيرة.
وفى عام 1480م أقام السلطان أبو النصر
قايتباي قلعة جديدة في الموضع الذى كانت تقوم فيه المنارة القديمة وكانت قد تهدمت
حتى أساسها وكانت القلعة التي أقامها
قايتباي على أساس المنارة لا تعدو برجاً ضخماً أتم بناءه في سنين حكمه وهي ما زالت
اليوم تحتفظ بشكل قاعدة المنارة المربعة تحرس مدخلى الميناءين الشرقي والغربي.
وكان لهذا البرج فناء داخلى أقيمت فيه
ثكنات الجند وألحق به مسجد زعم بعض الناس أن السلطان مدفون به، وهذا زعم باطل
بدليل أن قايتباي دفن بضريحه الذى أقامه في صحراء المماليك، ونجد أنه أقام هذه
القلعة اثر تهديد الأتراك بغزو مصر ثم جدد محمد على (1805-1848م) هذا الحصن الذى
هدمه الإنجليز بقنابلهم عام 1882م عند احتلالهم لمصر، وأخيراً قامت مصلحة الآثار
بترميم المسجد وتقويمه، واختفت بذلك منارة الإسكندرية إلى الأبد ولم يبق للعالم إلا صورة مصغرة منها وجدت بأبي
صير بمريوط.
إرسال تعليق