507575571559024578975075775024306753790756754506735719003007773507540230757057202507579075705795075730757636076770670676697076768076720206706706360790343707607570674938697202349307676

معبد السرابيوم (أكربول الإسكندرية)

بقلم / عماد حمدي

معبد السرابيوم (أكربول الإسكندرية):- 
      يقع معبد السرابيوم في الحي الخامس بالإسكندرية وهو الحى الوطني أو حي راقودة، وكان هذا المكان هو أعلى الأماكن في المدينة وكان يطلق عليه أكروبول الإسكندرية، وكانت تلك المنطقة قبل قدوم الإسكندر وقبل تأسيس المدينة جزءاً من 16 قرية مصرية، وجزءاً من قرية راقودة التي كانت النواة التي تأسست عليها مدينة الإسكندرية على يد الإسكندر الأكبر عام  331 ق.م.

      وقد عرفت هذه المنطقة بعد تأسيس مدينة الإسكندرية باسم أكروبوليس المدينة أو المكان المرتفع الذى يقوم عليه أهم المعابد والمباني الدينية، وذلك على نمط المدينة اليونانية التي كان الأكروبوليس يمثل أهم حزء حيوي فيها لما يحويه من مباني دينية لآلهة المدينة، ومن أهم المباني فوق أكروبوليس الإسكندرية معبد السرابيوم، أو معبد الإله سيرابيس، وهي تلك المنطقة الواقعة اليوم فوق تل باب سدرة بين منطقة مدافن المسلمين الحالية والمعروف باسم "العمود" وهضبة كوم الشقافة الأثرية.



      وفوق هذا المرتفع الحصين أقيم إلى جانب معبد السرابيوم العظيم معبدا للإله مثرا يعرف باسم "مثريوم"، كما وجد على التل ضريح ملكي من العصر البطلمي ربما استخدم كمعبد، هذا بالإضافة إلى الآثار الأخرى التي كانت على التل مثل المكتبة الصغري وروراق أو دار الحكمىة التي كانت بمثابة الجامعة في العصر الروماني.
هذا وأسس الإمبراطور كلاوديوس على تل الأكروبوليس مدرسة للتاريخ عرفت باسم "الكلاوديوم" وما بقى منها أصبح يسمي في عصر الإمبراطور أركاديوس باسم "الأركاديوم" وكانت مركزاً لمدرسة الإسكندرية، ومنذ عهد الإمبراطور جستنيان (527-565م)، أخذ الأركاديوم اسم انجليوم وقد الحق به دير وكنيسة بنيت للقديس يوحنا المعمدان ثم تهدمت في عام 600م وأعاد البطريرك إسحاق بناءها (681-684م) واستمرت حتى تهدمت نهائياً في حوالى القرن العاشر.

فكرة إنشاء المعبد:-
      بعد وفاة الإسكندر الأكبر اقتسم قواده الإمبراطورية الشاسعة التي تركها، فكانت مصر من نصيب بطليموس بن لاجوس الذى عمل على اشتراك كل من المصريين والإغريق في كافة المجالات التي تسهم في تقدم مرافق الدولة الجديدة، ولما كان الدين يمثل المحور الرئيسي لحياة كل من المصريين والإغريق فكان لزاماً علي بطليموس أن ينطلق من هذه الزاوية حتى يمكنه التوفيق بين متطلبات العنصر المصري والعنصر الإغريقي.

      وقد فكر بطليموس بن لاجوس في التقريب بين المعتقدات اليونانية القادمة معه إلى الشرق، فهداه فكره إلى إنشاء ديانة جديدة تفى بحاجيات كل من الطرفين، لذا كان لابد من الاستعانة برجال الدين، فشكل لجنة عليا لهذا الأمر يتمثل فيها الجانبان المصري واليونانى، وقد رأس اللجنة المصرية الكاهن مانيتون ورأس اللجنة اليونانية تيموثيوس، وبعد العديد من المناقشات والمشاورات ومزج بين الأفكار استقر رأي اللجنتين على أن يكون محور الديانة الجديدة هو الثالوث المقدس المكون من الإله سيرابيس والإلهة إيزيس وابنهما الإله حربوقراط.

      وجدير بالذكر أن الإلهة إيزيس وابنها حربوقراط من الآلهة المصرية الأصيلة، وانتشرت عبادتهما في العديد من المناطق المصرية في مصر وخارجها، فكلاهما إله مصري ولم يدخل عليهما جديد عندما اختيرا ليكونا ضلعين من أضلاع الثالوث السكندري الجديد، أما سيرابيس فقد كان نفسه الإله المصري أوزير حابي، هذا وقد اشتق اسم سيرابيس من العجل أبيس الذي يتحد مع أوزوريس مكونا اسم أوزير حابي أو سيرابيس أي العجل أبيس بعد وفاته، وقد وضع رجال الدين نصب أعينهم تقديم سيرابيس إلى الإغريق والمصريين في صورة تناسب آراءهم ومعتقداتهم فاستقر رأيهم على تصوير الإله الجديد بشكل رجي ملتحي ملامحه تشبه الإله زيوس كبير الألهة اليونانية، وقد أنشأ بطليموس الأول لهذه الديانة الجديدة معبداً اعتبر في ذلك الوقت من أعظم معابد حوض البحر المتوسط.



      كان المعبد يأخذ شكلاً مستطيلاً، وهو مأخوذ من شكل المنازل اليونانية القديمة حيث يوجد المدخل ناحية الشرق وكان طول ضلعه من الشرق إلى الغرب  77متراً، وكان قدس الأقداس يحتوي على تمثال ضخم للإله سيرابيس في هيئة اليونانية، ولدينا نسخاص عديدة من هذا التمثال في المتحف اليوناني الروماني.

      وتدلنا المصادر القديمة في العصر البطلمي والروماني أن هذا المعبد صممه مهندس يوناني يدعي بارمنيسكوس، وكان البناء يحتوي على عدة مداخل شامخة ويحتوي أيضاً على أعمدة كبيرة تحيط بجوانبه الأربعة، وداخل قدس الأقداس وضع تمثال للإله الجديد سيرابيس كان هذا التمثال دقيق الصنع ومرصع بالأحجار الكريمة، وكان البناء في مجمله على الطراز اليوناني وكان يضم إلى جانب أهميته الدينية مكتبة كبيرة سميت بالمكتبة الصغري نظراً لوجود مكتبة الإسكندرية الكبرى حتى يمكن التفريق بينهما.

      وعلى الرغم من أن المعبد لم يبق منه سوي أطلال إلا أننا نعرف الكثير عن وصفه وذلك من خلال كتابات المؤرخين القدامي، الأمر الذى مكن "Alan Rowe" من تحديد الجزء العلوي بالتل الذي يوجد عليه عمود السواري، أما الجزء الثاني فيقع أسفل التل حيث الممرات الطويلة والدهاليز التي يوصل إليها طريقان أحدهما خصص للعربات والآخر للمشاة، ويقع المعبد وسط التل وله مداخل من أربعة أعمدة وسلم كبير من المرمر شيد على النمط الروماني كما وصفه أفتونيوس، ثم صالة مسقوفة يرتفع سقف جزءها الأوسط عن باقى سقف الصالة الذي يتخذ شكل قبة محمولة على صف مزدوج من الأعمدة الرخامية ثم ساحة مربعة يتوسطها فناء يحيط به أعمدة وتزين جدرانه مناظر من الميثولوجيا اليونانية، ويحيط بالمعبد أروقة مزدوجة قائمة على أعمدة تيجانها مصنوعة من البرونز المذهب وسقفها مزخرف بزخارف ذهبية.

      ووسط هذه الأروقة يوجد هيكل سيرابيس الذي يتوسطه تمثال للإله في وضع يسمح لأشعة الشمس التي تنفذ للحجرة من خلال نافذة في الجهة الشرقية أن تسلط الضوء مباشرة على فم الإله، وقد بني المعبد من الأحجار وكسي بمادة الرخام الغالية الثمن، بالإضافة إلى زخرفته بالرقائق الذهبية والفضية والبرونزية، وقد زين مدخله بمسلتين، وفى داخل الساحة المقدسة وجدت نافورة وحوض، كما وجدت حمامات وأبنية لحمل أنابيب المياة التي تعرف باسم "أكويدوكت".

تأريخ المعبد:-
      من خلال النقوش التي وجدت على ودائع الأساس الموجودة بالمعبد والتي كشف عنها العالم "Alan Rowe" نستطيع معرفة أن إنشاء المعبد يرجع إلى عصر بطليموس الثالث يورجتيس الأول (246-221ق.م)، وترجع المكتبة الملحقة به إلى العصر البطلمي في القرن الثالث قبل الميلاد، أما باقي المعبد فقد استكمل في العصر الروماني، وقد دمر المعبد أثناء الثورة التي قام بها يهود الإسكندرية في عهد الإمبراطور تراجان (98-117م)، وعلى أطلال المعبد البطلمي أقام الإمبراطور هادريان (117-138م) معبداً آخر تهدم مرة أخرى في أثناء الحملة التي قام المسيحيون في الإسكندرية بعد الإعتراف الرسمي بالمسيحية في عام 391م في عهد ثيودوسيوس الأول والتي اسفرت عن القضاء على كل المعابد ىالوثنية ومنها معبد السرابيوم، وفيما بعد أقيم على أنقاض هذا المعبد كنيسة تحمل اسم القديس يوحنا، وقد ظلت هذه الكنيسة تؤدي وظيفتها حتى القرن العاشر الميلادي.

      ومن خلال المجموعة الكبيرة من الوثائق التي عثر عليها في معبد السرابيوم نستطيع القول أن هذا المعبد كان بمثابة مركز إداري كبير، وظهر به نوع من التصوف الديني حيث أطلق على معتنقيه لفظ ( كاتوخوي-ناسك)، وكذلك وجد به أيضاً مجموعة كبيرة لجأت اليه للإحتماء به من ظروف الحياة الصعبة وسكنه أيضاً بعض الكهنة والخدم والحراس، وكان المعبد يشكل كياناً مستقلاً قائماً بذاته أو أشبه بمدينة صغيرة تحاول أن تكمل نفسها اقتصادياً، وكان هذا المعبد يعد مفخرة العالم القديم، وأشاد به المؤرخون القدماء، وكان يأتي في المرتبة الثانية بعد الكابيتول الذي يرمز لمدينة روما الخالدة ويعتبر أعجوبة من عجائب العالم القديم.







تعليقات
لايوجد تعليق