507575571559024578975075775024306753790756754506735719003007773507540230757057202507579075705795075730757636076770670676697076768076720206706706360790343707607570674938697202349307676

ضواحي مدينة الإسكندرية القديمة


أولاً: مدينة الموتي (النيكروبوليس):
          وهي تجاور مدينة الإسكندرية من الناحية الجنوبية الغربية، وكانت هي الضاحية الوحيدة الملاصقة لها، فلا يفصلها عنها سوى الأسوار المحيطة، وكانت تمتد بين البحر وبحيرة مريوط، وهي مخصصة للمقابر وسراديب الدفن التي عثرت عليها بعثة الآثار الفرنسية في عام 1997 بالقرب من الكوبري العلوي الذي يربط بين ميناء الإسكندرية والطريق الصحراوي، ولابد أن النيكروبوليس كانت تمتد على طول أرض القباري بما فيها المكس، بينما تحدها من ناحية الجنوب الغربي ترعة المواصلات التي بين الخليج وبين بحيرة مريوط، وكلمة القباري العربية تعني ذلك الذي يدفن الموتي أي الذي يفتح القبر لكي يدفن الأموات أو الذى حرفته الدفن أو عمل المعدات للدفن، ويتضح من هذه التسمية أن العرب قد احتفظوا في كلمة القباري بذكرى الفكرة التي ربط اليونانيون بينها وبين كلمة نيكروبوليس أي مدينة الموتي أو مدينة القبور.

          وقد تحدث استرابون عن هذه المنطقة بقوله: "لم يبق وراء الترعة سوى جزء ضيق من المدينة ثم يري الإنسان ضاحية نيكروبوليس حيث يوجد عدد كبير من الحدائق والقبور والدور التي أعد كل شيء فيها لتحنيط الجثث"، ومن هذا الوصف يتضح أن الترعة التي يتحدث عنها استرابون هي الترعة المتفرعة من النيل والتي تصب مياها في الميناء الغربي (العود الحميد) وليست ترعة المواصلات الواقعة بين الخليج وبين بحيرة مريوط التي كانت تمثل الحد الشمالي الغربي بضاحية نيكروبوليس، وكذلك فإن منطقة نيكروبوليس لم تكن كلها مقابر وإنما كانت تحتوى على الحدائق أيضاً.

          وكانت الجهة التي تتصل فيها الترعة بالبحر تحمل اسم باب البحر، وعلى مقربة منها توجد ناحية تسمي (باب العرب) وهي المنطقة التي دخل منها العرب الأوائل الإسكندرية فاتحين، وأخيراً فإن كل الجزء الصغير من الأرض التي تقطعه الترعة المجاورة يسمي المكس ومعناه الرسم الواجب الدفع وجاءت هذه الكلمة من المكوس.
          وقد أدخل بلينيوس منطقة النيكروبوليس ضمن حساباته حينما حدد محيط الإسكندرية بخمسة عشر ألفا رومانيا وهو ما يعادل  23.5 كم أي أن طول المدينة الإجمالي كان عشرة كيلو مترات فإذا أضفنا ضعف هذا الطول وضعف متوسط العرض وهو كيلومتر ونصف تقريباً ينتج عن ذلك 23 كم لمحيط المدينة وضاحيتها.



مدينة النصر (نيكوبوليس)
          وهو الجزء الذى قال عنه استرابون بعدما عبر ميدان السباق: " توجد على مسافة ثلاثين ستاديا من الإسكندرية وعلى شاطئ البحر، ناحية نيكوبوليس الآهلة بالسكان كأنها مدينة من المدن، وقد أدخل الإمبراطور اعسطس الكثير من التحسينات على هذه الناحية، بعد أن هزم فيها أولئك الذين تقدموا ضده مع أنطونيوس"، وقد توصل محمود الفلكي إلى الموقع الإستراتيجي الذى اختاره أغسطس وهزم فيه غريمه أنطونيوس، ولا يمكن أن يكون إلا تلك المرتفعات الواقعة على بعد 20 ستاديا إلى 30 ستاديا من المدينة، في الشمال الشرقي منها، وهي نفس المنطقة في مصطفى كامل التي اختارها الجيش المصري معسكراً له.

          وإذا كان الكاتب جوزيفوس قد قدر 20 ستاديا أي 3300متر للمسافة بين نيكوبوليس وبين المدينة، بينما قدر لها استرابون 30ستاديا أي 4950متر، فلعل ذلك لأن هذه الضاحية قد نمت من جانب المدينة في خلال الأربعين سنة أو الخمسين سنة التي تفصل بين هذين المصدرين، كذلك يحدثنا بلينيوس عن منطقة تسمي يوليوبوليس أنها واقعة على مسافة ألفى الفيا رومانيا من المدينة وهو ما يقارب ثلاثة كيلومترات، ونعتقد أن هذه المنطقة لا يمكن إلا أن تكون ضاحية النيكوبوليس.



ضاحية "اليوزيس"
          إن وصف استرابون لهذه المنطقة في كتابه يوضح أن هذه المنطقة كانت منعزلة تماما عن المدينة حيث يقول: "إذا خرج الإنسان عن طريق الباب الكانوبي، فإنه ينحدر إلى يمين الترعة التي تتجه نحو كانوب على حافة ىالبحيرة، ويذهب الإنسان مع هذه الترعة إلى شيديا متبعاً الفرع الذي يمضي ليتصل بالنهر الكبير، وإلى كانوب وكلنه يقابل أولاً (اليوزيس)، الواقعة بالقرب من الإسكندرية، ومن (نيكوبوليس) على نفس شاطئ الترعة الكانوبية، وهي تشمل أماكن لهو ومتعة، ومساكن في موقع بديع، يؤمها أولئك الذين يبحثون عن المتعة من الرجال والنساء، وهناك يبدأ نوع من حياة الانحلال التي يحياها القوم في كانوب".

          وهذه المنطقة التي وصفها استرابون بين الباب الكانوبي من ناحية اليمين وفرع الترعة عند سفح المرتفعات الجنوبية في نيكوبوليس لابد وان تكون منطقة الحضرة حيث أنها المنطقة الوحيدة التي يري الإنسان فيها أسوار اساسات قديمة وخزانات وقنوات جوفيه مما يدل على قيام مركز سكني كبير، وترتفع أرض هذه المنطقة المثلثة الشكل أكثر من اثني عشر متراً فوق مستوى سطح البحر كما توضح خريطة الفلكي، ويقع مركز هذه الأرض المرتفعة على بعد 1500 متر تقريباً شرق الباب الكانوبي وعلى بعد 2200 متر جنوبي مسجد سيدي جابر القريب من البحر.

          ويتحدث الفلكي عن معبد كبير لا يزال الإنسان يري بقاياه في أعماق الوادي، وهذه المعبد يقع على مسافة 180متر تقريبا غربي النقطة الواقعة على امتداد الشارع الكانوبي، على مسافة 700متر خارج الباب، ويبلغ عرضه أربعة بليترات تقريباً، وطوله استاد واحد ويحاذي اتجاه الشوارع الطولية، ويري هناك عدد من قواعيد التماثيل في مكانها الأصلي ومن رؤوس الأعمدة وكلها من الجرانيت الأحمر، ويبدو أن هذه المعبد كان أحد معبدين شيدا في نيكوبوليس وقد تسبب بناء هذين المعبدين في هجر بعض معابد أخرى قديمة كانت أقيمت بالمدينة وهذا يؤكده استرابون حين يقول:

          " في داخل الترعة يوجد القيصرون وأماكن مقدسة أخرى شيدت قديماً، وقد هجرها الناس تقريبا منذ إنشاء معابد نيكوبوليس حيث يوجد المسرح الدائري والإستاد وتقام المباريات التي يحتفل بها كل خمس سنوات"،  وعلى هذا فقد اعتبر استرابون كل الأرض الواقعة بين ضاحية نيكوبوليس والمدينة جزء من الضاحية ذاتها، وبما أن هذه المنطقة كان يقام بها الألعاب فإنها تحتاج إلى مساحة كبيرة تقام عليها هذه الألعاب وهذه الضاحية هي الوحيدة التي توفر هذه المساحة المتسعة التي تستوعب كل الحاضرين الذين يبلغ عددهم – طبقاً لما رواه الكتاب العرب – مالا يقل عن مليون شخص كل سنة، وعلى ذلك نلاحظ أن الاسم المسمي به هذه المنطقة هو "الحضرة" تدل على الحضور والاجتماعات والمواعيد، مما يدعونا إلى القول بأن استرابون في كتابه كان يقصد هذه المنطقة دون غيرها.





تعليقات
لايوجد تعليق