بقلم / عماد حمدي
الآثار الغارقة والمنتشلة من الميناء
الشرقية:-
كان أول من تحدث عن وجود آثار غارقة في منطقة
قلعة قايتباي الغواص المصري الراحل كامل أبو السعادات في عام 1961م، حيث ذكر في تقرير
له قدمه للمتحف اليوناني الروماني أنه شاهد أثناء قيامه بالغوص في تلك المنطقة
العديد من التماثيل والكتل الحجرية الغارقة وأنه قام برسم وتحديد مواقع بعض تلك
القطع، وعلى هذا الأساس فقد قام بعض الغواصين من القوات البحرية المصرية في عام
1963 بانتشال تمثال ضخم من الجرانيت لسيدة بطول 7متر ووزن 25 طن، وهو الموجود
حاليا بالمتحف البحري والذى كنا نعتقد أنه تمثال للإلهة المصرية إيزيس إلا أنه على
الأرجح أنه تمثال لزوجة أحد البطالمة (غالبا بطليموس الثاني) مصورة على هيئة
الإلهة إيزيس، وعلى ذلك تكون صاحبة التمثال الملكة أرسينوي الثانية.
ومنذ ذلك التاريخ تمت محاولات قليلة من
قبل بعض الأثريين لاكتشاف المزيد حول هذا الموقع مثلما حدث في عام 1968 حين قامت
العالمة الإنجليزية أونر فروست بمصاحبة كامل أبو السعادات بالغوص في المنطقة
وتسجيل 17 قطعة من الجرانيت ما بين تماثيل أبى الهول وبعض الأعمدة والقواعد ولكن
الأمر لم يتعد مجرد التسجيل والوصف البسيط.
وفى عام 1994 بدأت البعثة الفرنسية
التابعة للمركز الفرنسي لدراسات الإسكندرية برئاسة جان إيف أمبرير بعمل أول مسح
أثري دقيق للمنطقة والذى أسفر عن اكتشاف أكثر من 2500 قطعة أثرية 90% منها من
الجرانيت، وهي عبارة عن أعمدة وأجزاء من أعمدة وحوالى 26 تمثال مختلف لأبو الهول
وأجزاء من مسلات بالإضافة إلى أجزاء معمارية ضخمة (حوالى 12 قطعة) يبلغ وزن بعضها
أكثر من 70طن وجميعها ترقد على عمق يترواح بين 8-10 أمتار تحت الماء.
وهذه القطع هي بقايا فنار الإسكندرية
وبقايا بعض المباني الأخرى التي كانت قائمة في تلك المنطقة، وتتفاوت تواريخ تلك
القطع ما بين قطع يونانية بطلمية الطابع مثل التمثال الضخم الذي تم انتشاله من
الموقع في يوم السادس من أكتوبر عام 1995، وهو لأحد ملوك البطالمة (بطليموس
الثاني) الذي يرجح أنه كان قائما في مكان بارز حول منارة فاروس ، ويظهر بطليموس في
هذا التمثال يرتدي ملابس الفرعون، وعلى رأسة التاج الذي يرمز لشمال مصر وجنوبها،
ويظهر تحته تاج ولى عهد اليونان أي المقدونيين، وهذا التمثال معروض الآن في مدخل
مكتبة الإسكندرية الحديثة وبعض القطع المصرية الفرعونية مثل أجزاء المسلات وأبو
الهول التي ترجع إلى فترات زمنية متفاوتة من عهد سيزوستريس الثالث من الأسرة
الثانية عشرة إلى عهد ابسماتيك من عهد الأسرة السادسة والعشرين، وبعض هذه القطع
كان قائما في هذه المنطقة بالفعل، والبعض الآخر ربما نقله بعض ملوك البطالمة من
منطقة هليوبوليس لتزيين الموقع حول المنارة.
هذا بالإضافة إلى القطع المعمارية
الكبيرة التي يرجح أنها تنتمي إلى المنارة نفسها، وكذلك العديد من الأعمدة
المكسورة وغير الكاملة والتي يرجح أن حاكم الإسكندرية في عهد صلاح الدين الأيوبي
"أسد الدين قراجا" قد جلبها من منطقة عامود السواري وألقى بها في مدخل الميناء
لسده لمنع أي محاولة للغزو الصليبي،أما تلك القطع المنتشلة والتي يبلغ
عددها حوالى 35 قطعة فتعتبر من أفضل القطع التي عثر عليها من حيث حالتها والتي أمكن
معالجتها وترميمها في معمل الترميم بمنطقة المسرح الروماني بكوم الدكة.
اما عن أثر مياة البحر على تلك القطع،
فنظراً لأن هذه القطع من مواد صلبة مثل الجرانيت والكوارتزيت فلقد تحملت وجودها
تحت المياه لكل هذه الفترة ولكن نلاحظ اختفاء معالم الوجوه بالنسبة لتماثيل أبو
الهول وكذلك اختفاء بعض النقوش والزخارف من المسلات، وذلك لأن البحر وحركة الأمواج
والرمال وخاصة في فصل الشتاء والعواصف واحتكاك القطع بعضها ببعض في هذه المنطقة
على مدي الآلاف السنين قد أدت إلى طمس بعض المعالم، ولكن بوجه عام فالقطع في حالة
جيدة.
وبعد الانتشال يتم وضع القطع في أحواض
من الماء العذب وذلك لإزالة الأملاح التي تشبعت بها تلد القطع أثناء وجودها تحت
الماء، ويتم تغيير الماء العذب بشكل دوري وأيضاً قياس درجة الملوحة حتى يتم التأكد
من تخلص القطع من كل الملح الذي تشبعت به، وعندئذ يمكن تعريضها للهواء دون خوف،
اما إذا تعرضت القطع مباشرة إلى الهواء دون التخلص من الملح الموجود بها فإن هذا
الملح يجف ويتسبب في تفتت القطع حتى ولو كانت من الجرانيت.
وما زال بالموقع العديد من القطع التي قامت
البعثة بتسجيلها جميعاً بدقة، والتي سوف تفيدنا كثيراً في معرفة المزيد عن منارة
الإسكندرية الشهيرة وعن طريقة بنائها، وهناك العديد من المشروعات المقدمة لتحويل
هذه المنطقة إلى متحف حي تحت الماء، وتدرس وزارة الآثار المصرية حاليا مشروع مقدم
من فرنسا بشأن عمل أنفاق زجاجية تحت الماء يستطيع الزائر من خلالها رؤية ما هو
موجود تحت الماء من آثار، وفى شهر أكتوبر 1998 تم انتشال تمثالين من الميناء
الشرقي أحدهما تمثال لأبى الهول يعتقد أنه وجه ربما يمثل الملك بطليموس السادس.
أما التمثال الآخر فهو لأحد كهنة إيزيس
الذي يرتدي عباءة تلف الجسم بالكامل ويحمل إناء على شكل أوزوريس، وقد اكتشفت
البعقة الفرنسية بقيادة فرانك جوديو تمثالا فريدا من نوعه يمثل أبو الهول برأس
الصقر حورس وهو من الموضوعات النادرة التصوير في الفن المصري عامة وفى الفن
البطلمي خاصة، هذا وتواصل البعثات الفرنسية أعمالها في منطقة الميناء الشرقي
بقيادة أمبرير وجوديو، وتدرس وزارة الآثار المصرية مشروعاً لبناء موديل من فنار
الإسكندرية إلى جوار قلعة قايتباي عند الطرف الشرقي لجزيرة فاروس في قبالة معهد
الأحياء البحرية.
هذا وقد أقيم معرض في باريس في مايو
1998 اختص بعرض بعض القطع المنتشلة من قاع الميناء الشرقية بالإسكندرية تحت اسم
معرض "مجد الإسكندرية"، وقد عكس هذا المعرض لأول مرة أمجاد هذه المدينة التي
كانت منارة ثقافية وأدبية وفنية للعالم على مر العصور، وقد أقيم هذا المعرض في القصر
الصغير بباريس، ويعتبر هذا المعرض أول معرض دولى خارجي يسلط الضوء على المكتشفات
الحديثة بمدينة الإسكندرية، ونظراً لأهمية هذا المعرض فقد افتتحه الرئيس المصري
حينذاك مع الرئيس الفرنسي.
وفى 3 يونيو عام 2000 أعلنت الإدارة
العامة للآثار الغارقة بالإسكندرية عن اكتشاف جديد في أعماق المياة في خليج أبى
قير حيث عثر على مدينتين قديمتين هما مدينة مينوتيس ومدينة هيراكليون، وقد تم
استخراج بعض القطع الأثرية من هاتين المدينتين اللتين ترجعان إلى العصرين اليوناني
والروماني، ومازالت أعمال التنقيب تحت الماء جارية حتي تكتمل الصورة عند علماء
الآثار.
إرسال تعليق