507575571559024578975075775024306753790756754506735719003007773507540230757057202507579075705795075730757636076770670676697076768076720206706706360790343707607570674938697202349307676

نشأة طراز القبة الضريحية فى الإسلام

بقلم / عماد حمدي

لا جدال في أن القبة من العناصر المعروفة منذ الآف السنين ووصلتنا منه من العصر الآشورى القديم على هيئة رسوم مسجلة على الجدران، أما أمثلتها التي بقيت قائمة فتعود إلى العصر الرومانى الذى انتشرت فيه انتشاراً واسعاً ثم أصبح من العناصر الرئيسية في العصر البيزنطي، ثم لعب دوراً بارزاً في العمارة العربية الإسلامية، غير أن القباب في العصر الإسلامي قد امتازت بظاهرة هامة هي أن معظمها يتميز بقطاع مدبب، وذلك بفضل ابتكار وانتشار استعمال ذلك النوع من العقد الذى صار علماً من أعلام العمارة العربية الإسلامية([1])، وأشهر ما عرف في الإسلام من المباني التي اتخذت شكل الضريح بل أهمها على الإطلاق مبنى "قبة الصخرة"([2]).
ومن المرجح أن المدفن ذا القبة قد عرف وفقاً لماء جاء في المصادر التاريخية في عصر كل من الرشيد والمأمون أي في أواخر القرن الثانى الهجرى الثامن الميلادي وأوائل القرن الثالث الهجرى التاسع الميلادي، إذ أقام المأمون قبة على قبر كل من هارون الرشيد وعلى بن موسى الرضا([3])، إذ يقول القزويني " إن الرشيد في القبر الذى يعرفه الناس للرضا والرضا في القبر الذى يعرفه الناس للرشيد وذلك من تدبير المأمون والقبران متقاربان في قبة واحدة"([4]).
ومن المعروف أن أول ضريح([5]) مغطى في الإسلام هو قبة الصليبية بمدينة سامراء بالعراق الذى أقامته أم الخليفة المنتصر وهى يونانية الأصل عام (248ه/862م)، وقد دفن فيه إلى جوار الخليفة المنتصر الخليفة المعتز ثم الخليفة المهتدى، ويتكون الضريح من غرفة مربعة من الداخل ومثمنة من الخارج ويحيط بها ممر مغطى بقبو نصف دائرى، أما الغرفة المتوسطة فتغطيها قبة تقوم على مثلثات في أركان المربع، ويقوم على المربع رقبة مثمنة ثم يأتي بعد ذلك دائرة القبة، وقد وجد مثل هذا الأسلوب المعمارى في تحويل المربع إلى مثمن يسهل معه إقامة القبة عليه منذ القرن السادس الميلادي في كنيسة القديس جرجس بعذرا بسوريا([6]).
مسقط أفقى لقبة الصليبة بسامراء بالعراق
مسقط أفقى لقبة الصليبة بسامراء بالعراق
وفى مدينة بخارى نجد مثالا آخر للقبة وهو مدفن إسماعيل الساماني (303ه/907م) وهو على شكل مكعب وفى كل ركن من اركان المكعب بنى مقرنص كبير ثم بنيت فوق ذلك القبة مباشرة دون استعمال رقبة([7])، وهو يشابه من ناحية الشكل معابد النار عند الساسانيين، وبكل حائط فتحة باب في منتصفه معقودة بعقد مدبب، والأركان مشكلة على هيئة أبراج والزخرفة الخارجية نتجت عن طريق التباين الناشئ بإدخال وإبراز صفوف مداميك الطوب وما تحدثه بالتالي هذه من ظلال (8)، ونلمس فيه التأثر العميق بالعمارة الفارسية السابقة على الإسلام ولا سيما "الجهاز طاق" ( بيت النار المقدسة) التي كان يعبدها الزردشتيون، وإذا كانت القباب قد استخدمت في كلا العمارتين الإسلامية والفارسية فمرد ذلك إلى أن القبة كتشكيل معمارى كانت ترمز دائماً إلى السماء([9]).
قبة اسماعيل الساماني

مسقط أفقى لقبة اسماعيل الساماني




([1]) فريد محمود شافعي، العمارة العربية الإسلامية ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ص177.
([2]) ثروت عكاشة، القيم الجمالية، ص143.
([3]) محمد حمزة إسماعيل الحداد، القباب في العمارة المصرية الإسلامية القبة المدفن نشأتها وتطورها حتى نهاية العصر المملوكي، الطبعة الأولى،

([4]) زكريا زين محمد بن محمود القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، ص392.
[5] ليس من المرغوب طبقاً للشريعة الإسلامية البناء على القبور، لتعارض ذلك مع العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، فقد جاء عن جابر – رضى الله عنه – قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يعقد عليه أو يبنى عليه" (رواه مسلم)، ويعتقد أن بناء الأضرحة على القبور يذكر بالمباني التي كانت مخصصة لعبادة الأوثان في العصر الجاهلي، وخوفاً من أن تصبح هذه الأماكن مزاراً ويعظم أصحابها، ومن الملاحظ حالياً تواجد مدافن تزار ويعتقد البعض أن أصحابها يحققون لهم ما يطلبونه ويؤملونه، رغم تعارض ذلك مع القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. للمزيد انظر، محمد عبد الستار عثمان، نظرية الوظيفية، ص107-112.
[6] سعاد ماهر محمد، مساجد مصر ، الجزء الثاني، ص11.
([7]) سعاد ماهر محمد، مساجد مصر ، الجزء الثاني، ص11.
([8]) صالح لمعي مصطفى، التراث المعماري الإسلامي، ص25.
([9]) ثروت عكاشة، القيم الجمالية، ص144.





تعليقات
لايوجد تعليق