507575571559024578975075775024306753790756754506735719003007773507540230757057202507579075705795075730757636076770670676697076768076720206706706360790343707607570674938697202349307676

نشأة المنبر فى العمارة الإسلامية

المنبر:
                                                                            (بقلم: عماد حمدي)
      رغم أن المنبر الذى يتخذ من الخشب يعتبر من نوع الفنون الصغرى أو الفرعية إلا أنه يعتبر من أقدم عناصر المسجد وأهمها، وتتلخص أهمية المنبر بالنسبة للمساجد الإسلامية الأولى من حيث أنه كان العلامة المميزة للمسجد الجامع، أىة المسجد الكبير في المدينة الذى تقام فيه الخطبة قبل صلاة الجمعة عادة، وإن كان من الممكن أن تتناول شأناً من الشئون العامة من: سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أن تكون برنامجاً للحكم أو اعلاناً لبعض القرارات السياسية الحكومية الهامة التي كانت عادة ما تنشر من أعلى المنبر، كما كانت تعلق أحياناً على باب الجامع.


منبر المسجد النبوى الحالى من إنشاء السلطان العثمانى مراد الثالث
      والذى يفهم من النصوص أن النبى كان قد اتخذ في مسجده بالمدينة جذع نخلة يجلس عليه أو يستند عليه عندما يوجه الخطاب إلى صحابته، ثم أنه اتخذ منبراً نت ثلاث درجات كان يجلس عليه للخطبة، وعندما ولى أبوبكر كان يجلس على الدرجة الثانية من المنبر احتراماً للموضع الذى كان يجلس فيه النبى، وعندما ولى عمر جلس على الدرجة الأولى إجلالا للرسول وخليفته الأول.

      وهنا لا بأس من الإشارة إلى ما تنص عليه الروايات من أن عمر بن الخطاب رفض ما قام به عمرو بن العاص من اتخاذ منبر في مسجد الفسطاط، وقال له: أما كفاك أن تكون قائماً والمسلمون جلوس، ثم طلب إليه أن يقوم بتكسيره، وفي ذلك قيل أن المنبر يمثل كرسي الأسقف في الكنيسة الكبرى (الكاتدرائية)، وعرش الملك معاً، وهى الوظيفة المزدوجة للخلفاء.

      والأهم من ذلك هو أن ترك الدرجة العليا للمنبر شاغرة بعد أنم زادت درجاته وتكاملت عناصره صارت سنة متبعة يسير عليها الخلفاء إجلالا للمكان الذى كان يحتله النبى من أعلى المنبر، وإن كان البعض يجعل لهذا الأمر مغزى رمزى يربطه بفكرة الإمام المنتظر، وفى ذلك يقول بوركارت: إن الدرجة العليا الخالية تمثل الوجود الغير مرئى للعقل في البوذية والمسيحية أو الوجود الخفى للمبعوث الإلهى.



منبر جامع عمرو بن العاص بالفسطاط مصر
       والحقيقة أن معاوية زاد في درجات المنبر النبوى فجعلها سبعاً عن طريق اتخاذ أربع درجات جديدة جعلها قاعدة للمنبر النبوى، ومع أن المهدى قام بمحاولة العودة إلى السنة من جديد عندما أمر سنة (161ه/778م) بتقصير المنابر وجعلها بقدر ما كان عليه منبر النبي، أي بقدر ثلاث درجات، فإن درجات المنبر زادت على أيام السلاجقة، فصارت سبع درجات واحدى عشرة درجة وبذلك اتخذ المنبر شكله النهائي الذى نعرف الآن.

      فإذا اتخذ له مسنداً للصعود هو "الدرابزين" ثم أنه على أيام السلاجقة زود بباب أمامى صغير يعلوه عقد، كما أقيمت فوق درجته العليا المربعة (البسطة) ظلة في شكل قبيبة مسحوبة إلى أعلى في شكل بصلي، هي التي صارت تحمل الهلال أو الهلال وبعض النجوم فيما بعد، وفى المعاني الرمزية يقال أن البوابة السفلية تعنى العالم الأرضى، والقبيبة العلوية تعني السماء أو الإله، فكأن الترك السلاجقة أتو بأفكارهم الدينية الرمزية القديمة التي عرفوها في سهوب آسيا وأدخلوها الإسلام.

حشوات منبر مسجد آق سراى بتركيا من العصر السلجوكي

      ومن المهم الإشارة إلى أن المنبر – مثله مثل المحراب – نال عناية بالغة من فنانى أعمال الخشب من المسلمين، فلقد كان المنبر يصنع من الخشب المخروط الصغير الذى تتعد أشكاله، وتتنوع طرق تشبيكه في لوحات (حشوات) ذات أشكال هندسية عجيبة، من مربعات ودوائر وأشكال معقوفة ونجوم وغيرها، وكان عدد القطع الخشبية المخروطة والمنحوتة والمنقورة يصل في المنبر الثمين إلى الآلاف الكثيرة، ولأن مصر كانت تفتقر إلى أنواع الخشب الجيد، فأدى ذلك إلى الحرص على القطع الصغيرة واستخدامها في الموضوعات الفنية المناسبة.



       ونود أن نشير إلى ان العناصر الخشبية الصغيرة الحجم من منحوتة ومنقورة ومحفورة تعتبر من سمات الفن الأصيل لما فيه من الجهد والمهارة والتضحية،  كما كان ثمن المنبر الجيد الصناعة يصل إلى الآلاف المؤلفة من الدنانير، وإذا كان منبر القيروان، وهو من أقدم النماذج التي وصلت الينا يعتبر من نماذج الفن العراقي إذ أرسلته الخلافة العباسية من المشرق كتعبير عن التبجيل لجامع عقبة ابن نافع، والتقدير في نفس الوقت للأسرة الأغلبية الحاكمة في بلاد افريقية باسم الخلافة الشرعية في بغداد فإنه من المعروف أن المغاربة والأندلسيين اعتنوا عناية بالغة بالمنابر فأنفقوا عليها النفقات الكثيرة، وشجعوا المهرة من الصناع على الإبداع فيها.

منبر مدرسة قلاوون بالنحاسين "مصر"
      وهكذا كان الاهتمام من الإمام إدريس بإنشاء منبر لجامع تلمسان، سجل فيه تاريخ صنعه وهو (174ه/790م) كما اهتم خلفاء الأمويين في الأندلس بمنبر جامع قرطبة الذى نال شهرة عظيمة، وكان من عناية المغاربة بمنابرهم أن لم يتركوها مكشوفة في بيت الصلاة بل خصصوا لها حجرة فيما وراء جدار القبلة، فكأنهم عدلوا في بناء ذلك الجدار، كما زودوا المنابر بعجلات تدرج عليها عندما تجذب خارجاً إلى بيت الصلاة قبل الجمعة وعندما تعود إلى حجرتها ثانية بعد الصلاة، والمثل لذلك منبر مراكش على عهد عبد المؤمن الموحدى، وفى ذلك ظن بعض الناس أن المنبر كان يخرج إلى بيت الصلاة بطريقة آلية عندما يقترب منه الإمام، وأنه يعود أدراجه بعد الصلاة بنفس الطريقة الآلية أيضاً.

منبر المسجد الكبير بمدينة تلمسان بالجزائر
      وأغلب الظن أن الشائعات هي التي دارت بتفاصيل هذه الحيلة الميكانيكية الوهمية على ما نظن، ولا بأس من التنبيه هنا إلى أن شغل خشب المنابر هذا يعتبر بفضل دقة صنعه ورقة جمعه وشفافية حشواته من نماذج الفن الديني الحقيقي، وإن أصبحت صناعة الخشب المخروط والمنقور والمحفور بفضل شفافية لوحاته النسبية موجهة بتركيز نحو صناعة المشربيات في المنازل والقصور.




تعليقات
لايوجد تعليق