فلسفة إنشاء المسجد فى الاسلام
بقلم (عماد حمدي)
المسجد النبوي بالمدينة المنورة |
المسجد:
المساجد هي بيوت الله في الأرض، وكان المتطلب الواضح الصريح للمسجد هو أن
مشيد في الأصل ليوفر المساحة الكافية التي يتجمع فيها الناس لأداء الصلوات وبالطبع
يكون هذا المكان موجه صوب القبلة بمكة[1]،
والمسجد في صورته البسيطة ما هو إلا مساحة من الأرض صغيرة أو كبيرة تنظف وتسوى
وتطهر، ثم يتم فيها تعيين اتجاه القبلة وتخصص للصلاة، وقد تسور هذه المساحة أو لا
تسور، وقد تفرش بالحصى أو الحصر النظيفة أو البسط الغالية، وقد تقام فوقها مبان
ضخمة ذات جدران وسقوف وقباب ومآذن وقد لا يقام من ذلك شيء، فلا يغير ذلك من الأمر
شيئاً ويظل المسجد البسيط العادى مكاناً مقدساً واضح الشخصية لا يقل في هيبته أو
مكانته عن أضخم المساجد[2].
وذلك لأن المسجد – قبل كل شيء – فكرة وروح، فأما الفكرة فهى التي وضعها
رسول الله ﷺ عندما بنى مسجده الأول، وأما الروح فهى روح الإسلام، ولقد أنشأ رسول
الله ﷺ مسجده في المدينة بوحى من الإسلام وحده لم ينظر قبل إنشائه إلى عمارة كنيسة
أو ما غير ذلك، وجاء مسجده – على بساطته المتناهية – وافياً تماماً بكل ما تطلبت
الجماعة منه، وهذه هي الأصالة بذاتها[3]،
والمسجد لغة هو الموضع الذى يسجد فيه، وكان المسلمون في العصر الإسلامي الأول
يقتصرون على استعمال كلمة مسجد لأماكن العبادة، فلما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية
وزاد عدد المسلمين بزيادة من دخل الإسلام من أهل البلاد التي فتحها المسلمون تعددت
المساجد في البلد الواحد، كما تعددت الألفاظ التي تطلق على أماكن العبادة فأصبح
هناك مسجد وجامع، والجامع هو نعت للمسجد لأنه مكان اجتماع ويطلق على الجامع الكبير[4].
النموذج الأول
(المسجد النبوى بالمدينة المنورة):
من المعروف أن الرسول ﷺ ما إن حط رحاله
بالمدينة المنورة بعد هجرته حتى أخذ في بناء مسجد للمسلمين، وهداه فكره إلى أن
يكون مكان هذا المسجد هو حيث بركت ناقته، وكان هذا المكان هو مبرد التمر كما سماه
الرسول ﷺ
، وقد يكون بناء المسجد النبوى بالمدينة سابقاً على الهجرة حيث كان يصلي المسلمون
جماعة وأن الرسول قام بتوسيعه بعد الهجرة، كما قام ببناء مساكن زوجاته في الجانب
الشرقي من المسجد[5].
ومن
الطبيعي بناء هذا المسجد كان أولياً من اللبن المجفف، وقد سُقف جزء منه أقيم على
أعمدة من سيقان النخيل، وكان الشائع وقتذاك هو التسقيف بسعف النخيل، وتُرك الباقى
عراء[6]،
ولقد كان المسجد النبوى بسيطاً بما يتفق مع باسطة جماعة المسلمين الأولى، فقد احتل
ضلعاً مربعاً طول ضلعه حوالى مائة ذراع، ورفعت حوائطه باللبن على أساس من الحجارة
إلى علو سبعة أذرع، أما بيت الصلاة فكان سقيفة من الجريد المكسو بالطين على عمد من
جذوع النخل في اتجاه الشمال نحو بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى، وعندما تحولت
القبلة إلى الكعبة بنيت ظلة جديدة في اتجاه الجنوب نحو الكعبة لتكون بيتاً للصلاة،
بينما تحولت الظلة الأولى إلى مؤخرة الجامع، وعرفت باسم الصفة نسبة إلى صفوف
الأعمدة[7].
وقد نصبت جذوع النخل
على هيئة صفين بموازاة الجدار الشمالي، ثم غطى ما فوقها بعريش من الخشب وغصون شجر،
وفى الجهة المقابلة أقيم عريش مماثل، ولم تكن مساحة المسجد صغيرة في أول الأمر إذ
كانت (63×70 ذراعاً)، وكانت جذوع النخل في كل من العريشتين صفين، في كل صف ستة
جذوع، ثلاثة على اليمين وثلاثة على اليسار، ثم وسع المسجد في أيام الرسول ﷺ، فأضيف إليه 10 أذرع في العرض و20 ذراع في الطول،
وزيدت جذوع النخل والأساطين، وأصبحت المساحة الكلية للمسجد في آخر حياة الرسول ﷺ
(5670 ذراعاً) أي (3280,86م) على اعتبار أن ذراع المدينة أيام الرسول يساوى 58 سم
في المتوسط[8].
وبالتالي عندما توفى
رسول الله ﷺ كانت ظلة
القبلة تشتمل على ثلاث بائكات تتكون كل بائكة منها من تسعة أعمدة، وتحصر هذه
البائكات فيما بينها ثلاثة أروقة (بلاطات) موازية لجدار القبلة، وقد استكمل
الخليفة الراشد عثمان بن عفان الشكل النهائي للمسجد النبوى عام (29ه/649م)، فقد
صار المسجد يشتمل على صحن أوسط ومقدم ومؤخر وجناحان[9].
مسقط أفقى للمسجد النبوي |
وبالتالي كانت الفكرة الأساسية لتخطيط المسجد نابعة من أن الوظيفة الأولى
لمسجد الرسول في المدينة تتلخص في حماية المصلين من تقلبات الجو وخاصة وهج الشمس
عن طريق بناء السقيفة المحمولة على أعمدة من الجذوع تتقدم الفناء المكشوف الذى
تنفتح عليه مساكن النبى، فكأن الجامع الأول في المدينة المنورة كان يجمع ما بين
المسكن وبيت الصلاة في السقيفة أو الظلة[10]،
فالمسجد كمبنى له خصوصية دينية ووظيفة تعبدية أدت إلى توحد برنامجه وعناصره
المعمارية[11].
ولقد كان المسجد
مكاناً لتجمع المسلمين (جامع) لأداء الفرائض في مواقيتها، وللتباحث في شئون دينهم
ودنياهم، ومن ثم فإن المسجد كان يقوم بأداء الوظائف الدينية والإجتماعية على
السواء، ومع توالى الفتوحات الإسلامية ظل هذا مسقط الجامع النبوى هو السائد
وباستخدام نفس المواد الإنشائية، فنلاحظ أن أول مسجد أقيم بالبصرة في العام الرابع
عشر من الهجرة كان من البوص أولا ثم أنشأ بعد ذلك من الطين والطوب اللبن وسقف
بالبوص[12].
قد تطور المسجد النبوى
الأول مع مرور الوقت إلى أن تكاملت عناصره عندما أعيد بناؤه حوالى سنة (87ه/706م)،
على عهد الوليد بن عبد الملك، فاتخذ له المحراب في منتصف جدار القبلة وهو أقدم
محراب تم إنشاؤه على هيئة نصف دائرية وقد استعان الوليد بن عبد الملك بالصناع
المسحيين لعمل هذا المحراب[13]،
والميضأة في وسط الصحن، كما أقيمت له المآذن على نفس النسق الذى أنشئت عليه في المسجد
الأقصى وجامع دمشق[14].
[1] Caroline Williams : Islamic monuments in Cairo, the Practical Guide, The
American University in Cairo, Cairo, new, revised edition, p19.
[2] يحيي وزيري:
العمارة الإسلامية والبيئة الروافد التي شكلت التعمير الإسلامي، سلسلة عالم
المعرفة، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2004، ص135.
[13] والمحراب هو
المكان المخصص للإمام لإمامة المصلين في الصلاة، وللمحراب وظيفة تشريفية إذ أنه
يذكر بالمكان الذى وقف فيه نبى الله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه لإمامة
المسلمين في صلاتهم، وإن كان تأثير العمارة القبطية على العمارة الإسلامية في
تشييد المحراب غير مؤكد، إلا أن شكل المحراب يثير الكثير من التساؤلات عن التأثير
المعمارى القبطى على تطور المحراب في العمارة الإسلامية. للمزيد انظر:
Richard Yeomans: The Art and
Architecture of Islamic
Cairo, Garnet Publishing Limited, London,2006,p.19.
[14] "البازيليكا هو اسم لنوع الكنيسة ذات الأورقة الثلاثة التي يتسع
أوسطها بالنسبة للرواقين الجانبين وفى ذلك التطور قيل أن ساحة الكنيسة البازيليكية
تحورت إلى صحن الجامع، وأن حنية الهيكل تحولت إلى المحراب، وأن برج الناقوس أصبح مئذنة، هذا وإن كان البعض يري في المئذنة تطوراً لبرج الإشارة القديم أو المنار
الذى كان يهدي القوافل في البر والسفن في البحر، ويقوم بدور برج الحصن من حيث
الإنذار باقتراب العدو. سعد زغلول عبد الحميد: العمارة والفنون، ص208-209.
إرسال تعليق