بقلم / عماد حمدي
جامع آق سنقر |
الموقع:-
ويقع هذا الجامع على الجانب الأيمن من شارع باب الوزير بجوار ضريح ومسجد
خاير بك ومنزل ووقف إبراهيم آغا مستحفظان([1])، وهو يطل على
التبانة بالواجهة التى تضم المئذنة والمدخل التذكارى([2])،
وشارع التبانة وهو امتداد الطريق الرئيسي المؤدى للقلعة([3]).
موقع الجامع المطل على شارع التبانة |
تاريخ الإنشاء:-
شرع الأمير آق سنقر
الناصرى فى 16 رمضان سنة (747هـ/1347م) فى بناء هذا الجامع، وأنشأ بجواره مكتباً
وسبيلاً، ومكاناً ليدفن فيه ونقل إليه ابنه، وقد عنى بعمارته عناية كبيرة، حتى أنه
كان يشرف على العمارة بننفسه ويشجع العمال، وعين له المدرسين، وافتتحه للصلاة فى
يوم الجمعة 3 ربيع الأول سنة (748هـ/1347م) وأوقف عليه ضيعة من قرى حلب للصرف عليه
وتعميره([4]).
الواجهة الرئيسية:-
وتعد الوجهة الغربية
أهم وجهات المسجد وهي واجهته الرئيسية وبها المدخل الرئيسي، إن هذا المدخل الرئيسي للجامع والمطل على شارع
باب الوزير موجود بكوة معقودة بواسطة قوسين جميلين على شكل المروحة([5])، وهو يبرز عن سمت جدران الواجهة بنحو مترين، ويعلوه عقد محمول على كوابيل،
ويتوسط المدخل باب بعلوه عتب يحتوى على صنجات معشقة من رخام أخضر وأبيض([6]).
ولهذا الجامع ثلاثة
مداخل، المدخل الرئيسي يوجد بالواجهة الغربية ـ كما ذكرنا ـ، وهذا المدخل يفتح على
الرواق الغربي المقابل لرواق القبلة، اما المدخلان الجانبيان فأحدهما يفتح على
الرواق الجنوبي والآخر يفتح على الجزء الفاصل ما بين الرواقين الشمالي والغربي([7]).
وعلى يسار المدخل الرئيسي قبة بنيت لدفن الأمير علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاوون([8])، وشبابيك هذه القبة محلاة بمزررات رخامية ملونة ما بين خضراء وبيضاء، يعلوها شباك مستدير، لبس ما حوله بالرخام الملون المزخرف، يغطيها مقرنص واحد، وبها لوح رخامى نصه :"بسم الله الرحمن الرحيم كل نفس ذائقة الموت هذه القبة المباركة عمرت لدفن العبد الفير إلى الله تعالى مولانا السلطان السعيد الشهيد الملك الأشرف علاء الدين كجك وكانت وفاته فى شهر جمادى الأول من سنة ست وأربعين وسبعمائة"([9])، وتقع المئذنة الرشيقة بطوابقها الثلاثة فى نهاية الوجهة، وتزدان نواذها بوزرات رخامية ملونة([10])، وعلى يمين الباب شباكان، حليت أعتابها بمزررات رخامية خضراء يغطيها مقرنص واحد([11]).
ويؤدى باب المدخل إلى استطراق نجد عن يساره قبه([12])، وقد أنشئت
قبل الجامع ليدفن فيها السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك ابن السلطان الملك
الناصر محمد بن قلاوون المتوفى فى شهر جمادى الأولى سنة (746هـ/1345م)([13])،
وقد دفن فى مسجد آق سنقر لأنه كان بمثابة
الدمية التى كان يلعب بها آق سنقر بالإضافة إلى كونه آخيه من جهة أبيه([14])،
وهي مربعة الشكل فتحت فيها مجموعة من النوافذ ذات صنجات من الرخام الأبيض
والأخضر تعلوها فتحات مستديرة يحيط بها إطار من الرخام الأبيض والأخضر كذلك([15])،
ويحيط بها إفريز جصى مكتوب به آية الكرسى واسم من دفن
بها وألقابه([16]).
أما منطقة الإنتقال فتحتوى على صف واحد من المقرنصات([17])،
وهو من الأساليب الشاذة فى العمارة الإسلامية حيث أن هذا الأمر انفردت
به الآثار الفاطمية([18])، وبالقبة لوحة
من الرخام كتب عليها " بسم الله الرحمن الرحيم كل نفس ذائقة الموت، هذه القبة
المباركة عمرت لدفن الفير إلى الله تعالى مولانا السلطان السعيد الملك الأشرق علاء
الدين كجك وكانت وفاته فى شهر جمادى الأولى سنة ست وأربعين وسبعمائة([19])،
والغريب فى هذه القبة أنها منحرفة عن القبلة فهى ليست باتجاه مكة ولكنها تتحازى مع
الشارع الرئيسي([20]).
وللجامع واجهة جنوبية يتوسطها باب كتب عليه النص التالى
: بسم الله الرحمن الرحيم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر أمر
بإنشاء هذا الجامع العبد الفقير إلى الله تعالى آق سنقر الناصرى تغمده الله برحمته
وكان ابتداء عمارته سادس رمضان المعظم سنة سبع وأربعين وسبعمائة وكانت الصلاة فيه
يوم الجمعة ثالث ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وتوفى إلى رحمة الله تعالى
تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وسبعمائة "، ويجاور الباب الجنوبى مربع
بسيط من البناء بداخله قبر تسوده البساطة به لوحة كتب عليها " هذا قبر
المرحوم آق سنقر الناصرى المعروف بجامع النور وكان ابتداءه سادس عشر من رمضان سنة
747هـ([21]).
ومن المؤكد أن هذه المقبرة حديثة، لآن المعلوم أن آق
سنقر أعد لنفسه مقبرة بجوار الجامع حلت محلها الآن الأبنية التى تحجب باقى الواجهة
الجنوبية على ما أرجح، والتربة فى وضعها الحالى هى وتربة إبراهيم أغا يشغلان جزءاً
كبيراً من الإيوان الجنوبى، ولم يسبق إقامة قباب أو قبور فى مثل هذا الوضع فى
المساجد، فهى من عمل إبراهيم أغا الذى بخل على المنشئ الأصلى بمقبرة تناسب عمله
الخيري العظيم([22]).
وفى
سنتى 1061هـ/1662م أحدث إبراهيم أغا مستحفظان عمارة كبيرة بهذا الجامع عندما كان
ناظراً عليه([23])،
وقد قام بهذه العمارة بعد إعادة بناؤه على إثر الخراب الذى لحق به فى القرن الخماس
عشر([24])،
فغير فى عقود السقف التى كانت من الحجر واستبدل ما اختل منها بسقوف من الخشب وكسا
الحائط الشرقى الذى فيه المحراب إلى السقف بالقاشانى الأزرق الجميل([25]).
وعلى يمين الداخل
بمؤخر الإيوان القبلى حجرة أنشأها إبراهيم أغا مستحفظان سنة (1062هـ/1652م)
جدرانها مؤزرة بالرخام، وبها محراب رخامى، ثم كسيت بالقاشانى حتى السقف، يتوسطها
قبر من الرخام أنشأه فى حياته سنة (1064هـ/1654م) وكتب عليه :"أنشأ هذا
المكان المبارك الراجى عفو ربه ستر الله عيوبه وغفر له ذنوبه وهو الغفور الرحيم
إبراهيم أغا المستحفظان حالا بتاريخ شهر شعبان المبارك فى سنة 1064هـ".
ومثبت فوق شباك المدفن من الخارج لوحة
رخامية بتاريخ عمارته للمسجد نصها : "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله
واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله عمر وجدد هذا الجامع
الشريف المبارك إبراهيم أغا مستحفظان حالا بتاريخ سنة إحدى وستين وألف من الهجرة
النبوية"([28]).
كما توجد لوحة اخرى على الواجهة الشمالية للمدفن نصها
" "أنشأ هذا المدفن المبارك من فضل الله تعالى فى زمن عبد الرحمن باشا
حاكم مصر المحروسة إبراهيم أغا مستحفظان حالا بتاريخ سنة 1062هـ([29]).
تخطيط الجامع:
يتبع تخطيط الجامع تخطيط المساجد ذات الصحن الأوسط المكشوف الذى يحيط به
أربعة أروقة([30])، أكبر هذه
الأروقة رواق القبلة الشرقى الذي يحتوى على ثلاث بوائك مكونة من دعائم حجرية مثمنة
الشكل باللون الأبيض والأحمر ويعلو البوائك عقود مدببة تحيط بها صنجات باللونين
الأبيض والأحمر، وهذه البوائك تقسم إيوان القبلة إلى ثلاثة أروقة تعلوها قباب
ضحلة، أما الجوانب الثلاثة الأخرى فتحتوى كل منها على رواق واحد، ويتوصل إلى صحن
الجامع عن طريق ثلاثة أبواب فى جهاته الثلاثة الغربية والشمالية والجنوبية
والأخيران غير متعامدين إذ أن الباب الشمالى منحرف إلى الجهة الغربية، وقد أقام فى
وسط الصحن سنة 815هـ الأمير طوغان الدوادار فسقية للوضوء وأقام فوقها مطلة تقوم
على عمد، ولم تكن هذه الفسقية موجودة فى الأصل، كما أنها زالت الآن وربما يكون
محلها الحديقة الموجودة الآن بوسط الصحن([31]).
والإيوان الشرقى أكبر
الإيوانات، وهو يشتمل على رواقين كانت عقودهما محمولة على أكتاف حجرية مثمنة
وسقوفها معقودة، وما زال الرواق أما المحراب محتفظاً بأصله لم يتغير، بخلاف الرواق
الثانى المشرف على الصحن، فإن عقوده استبدل بها سقف من الخشب وبقى طرفاه على
اصلهما، وابدلت بدعائمه عمد رخامية وأكتاف حجرية مربعة([32])،
كذلك حدثت تغييرات جوهرية فى الرواقين الشمالى والجنوبى.
أما
الرواق الغربى الذى يلى الواجهة الرئيسية والمدخل الرئيسي مباشرة فإنه مايزال
يحتفظ بالكثير من تفاصيله القديمة([33])، وعندما تم
بناء الجامع، فإن الرواق الغربي اتخذ شكل مسطتيل وذلك لكى يتماشى مع محازاة الشارع
ولكى يكون موازياً للجانب الأخر لرواق القبلة لذلك فكتلة المدخل قد شيدت بميل عن
باقى أجزاء الجامع كما حدث فى جامع الأقمر([34]).
وهذا التغيير أحدثه
إبراهيم أغا مستحفظان فى عمارته الكبير التى أجراها بالجامع سنة (1061:1062هـ /
1651:1652م)، كما هو منقوش فى غير موضع الجامع، ولم يقتصر على هذه العمارة، بل كسى
الجدار الشرقى حتى السقف بالقاشانى الملون الجميل، وهى أكبر مجموعة منه وحدت فى
أثر واحد بمصر([35])،
وهذه المجموعة من القاشانى الملون الجميل عملت خصيصاً لهذا الجامع، ولذلك
فإننا نجد أطرافها كاملة ونقوشها متماثلة فبعضها يمثل محراباً يعلوه قنديل كتب فيه
" بالله محمد، ويكتنفه عموداً سرو وبداخله زهرية تفرغت منها فروع نباتية تحمل
زهوراً([36])، والبعض
الآخر يمثل زهريات مختلفة وزخارف وزهوراً ملونة، ولذلك عرف الجامع، وخاصة عند
الزائرين الأجانب، بالجامع الأزرق، نسبة إلى مجموعة القاشانى العظيمة الموجودة فيه([37]).
كما يوجد بالرواق الشرقى منبر من الرخام الملون
نقشت بحاجزه زخارف بارزة مورقة ومحاليق كروم وهو أقدم منبر رخامي قائم بين الآثار
الإسلامية بالقاهرة([38])، إذ أنه مكسى
بأشرطة دقيقة من الرخام والصدف ويتخلله محاريب صغيرة محمولة على عمد([39])،
ويجاور المنبر محراب كبير كسى بأشرطة دقيقة من الرخام
والصدف([40])،
ويتميز المحراب بوجود طاقة واحدة بمقرنص القبة التى تعلوه وهي رخامية مكسية بالفسيفساء([41]).
وقد ثبت على
يسار المحراب لوح من الرخام جاء فيه : " رؤى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا
المحراب المبارك فى ليلة السبت تاسع ذى القعدة الحرام سنة ثمان وستين وثمانمائة
وهو قائم يصلى عمر هذا الجامع الشريف إبراهيم أغا مستحفظان حالا فى تاريخ سنة
1062هـ([42])، وغريب أن
نرى مقرنصات قباب هذا المسجد وقبتى مسجد أم السلطان شعبان وقبتى تنكزبغا وكلها فى
عصر واحد من طاقة واحدة وهى ميزة امتازت بها القباب الفاطمية فى نشأتها، وبمؤخر
هذا الإيوان دكة المبلغ وهى من الرخام([43]).
وهذه الدكة تطل على الصحن من جهة رواق القبلة
وهى قائمة على عمدان لها تيجان ذات نمط غربى ومن الجائز أن تكون هذه الأعمدة من
غنائم الإنتصارات على الصيبيين([44])، ومن المميزات الغير اعتيادية فى هذا الجامع هو
الاستخدام المكثف للدعامات مثمنة الأضلاح والتى كانت تدعم العقود الحاملة للأقبية([45])،
فقد كان الجزء الداخلى من الجامع فى الأصل مغطي بأقبية متقاطعة، وبقى من هذه العقود ما هو موجود فقط
بطول حائط القبلة([46])،
وقد افترض البعض بأن نظام بناء الأقبية المتقاطعة هذا ما هو إلا تأثير للفن
المعمارى السورى على العمارة المصرية وذلك لأن الأمير آق سنقر منشئ هذا الجامع كان
متولى إمارة طرابلس ببلاد الشام([47]).
المئذنة:-
وتنتهى الواجهة
الغربية بمنارة رشيقة مكونة من ثلاثة دورات، بدون الدورة الأولى منها مستدير،
والثانية قنوات مستطيلة، والثالثة مسدسة، فوقها خوذة خشبية مغلفة بالرصاص، قصد بها
هرتس باشا عند تجديدها التخفيف([48])، والطابق
الأول الأسطوانى يقوم على نافذة مربعة وهو خالى من أى زخرف ويفصل بينه وبين الطابق
الثانى شرفة ذات (16) ضلعاً من الحجر المخرم وتقوم على مثلثات من الدلايات الجميلة
التنسيق، ويتكون الطابق الثانى من ستة عشر فصاً مستطيلاً يمتد بارتفاع الطابق
ويفصل بين الطابق الثانى والثالث شرفة مماثلة لشرفة الدور الأول، أما الطابق
الثالث فيتكون من ستة أعمدة تعلوها خوذة خشبية مغلفة بالرصاص وذلك لتخفيف الضغط
الطارد على الأعمدة([49])،
هذا ويستطيع المار القادم من طريق القلعة أن يرى هذه المئذنة بوضوح قبل أن يصل إلى
مدخل الجامع([50]).
وبسبب موقع هذه المنارة بالنسبة للشاعر والأبنية الأخرى،
فقد كانت مصدر إلها الكثير من الفنانين والمصورين خلال القرن التاسع عشر، حيث تم
رسم وتصوير هذه المئذنة أكثر من مرة فى تلك الحقبة الزمنية، وفي ثلاثة من رسومات
هذه المئذنة التى تعود إلى القرن التاسع عشر يظهر أن هذه المئذنة كانت تتكون فى
الأساس من أربعة طوابق وليس ثلاثة ولكن للأسف عندما تم إغادة بناء هذه الئذنة فلم
يتم إعادة بناء الطابق الثالث وبالتالي فقدت المئذنة ميزتها غير الشائعة فى تلك
الأثناء([51]).
ويعلق محمد رمزى على الخلط الذى حدث بالنسبة لتاريخ الجامع
فيقول : لقد لاحظت بعض أخطاء تاريخية فى كتاب الخطط للمقريزى خاصة بهذا الجامع،
أهمها أن المقريزي لما أراد الترجمة لمنشئه أتى بترجمة آق سنقر السلارى المتوفى
سنة 74هـ فى أن منشئ هذا البجامع هو آق سنقر الناصرى المتوفى سنة 748هـ، ولما تكلم
على مبارك فى خططخ عن هذا الجامع، ذكر أن البدء فى عمارته كان فى سنة 727هـ
والفراغ منه سنة 728هـ، وصواب التاريخين هو سنة 747، 748هـ([52]).
أعمال الإصلاح:-
وفى سنة 1307هـ أجريت
بالجامع عمارة تناولت المنارة وذلك فى عصر المغفور له توفيق باشا، ثم توالت عناية
لجنة حفظ الآثار العربية بهذا الجامع، فأصلحت العقود والقاشانى، وأصلحت المنبر،
وكشف الوجهات من الأبنية التى كانت تحجبها حتى ظهر المسجد بهذا المظهر الجميل([53]).
إرسال تعليق