جامع الحاكم بأمر الله
( أثر رقم 15 )
هو رابع المساجد القديمة الباقية في مصر و لكنه يكاد يكون
الجامع الوحيد الذي هجره الناس منذ القرن التاسع الهجري,15 م و تطرق إليــه الخراب
منذ ذلك الحين و جعله الفرنسيون حصنا عند إحتلالهم مصر كما إستعملوا مئذنتيه مكانا
للمراقبة ثم أعاد نقيب الأشراف السيد عمر مكـرم، كما يشير إلي ذلك علي مبارك في الخطط التوفيقية الجديدة أعاد
الصلاة في قسم من رواق القبلة بالجامع بعد تجديده و لكنه أسئ إستعماله بعـد ذلك فإحتله
صناع الزجاج و النساجون و غيرهم, و قد قامت هيئة الآثار المصرية بتمويل من طائفة
البهرة بتجديد هذا الجامع تجديدا شامـلا و إزالة التعديات التي بداخله و إقامة
الصلاة فيه و ذلك من أوائل التسعينيات(1).
الموقع :-
بني هذا الجامع خارج باب الفتوح القديم الذي أسسه جوهر الصقلي
و ذلك لعدم توفر مساحة كافية داخل الحصن الفاطمي, إبتدأ عمارته الخلفية العزيز
بالله ثاني الخلفاء الفواطم بمصر و إكتملت عمارته فى زمن إبنه الخليفة الحاكم بأمر
الله فنسب إلي الأخير, و لما زاد القائد بدر الجمالي في أسوار القاهرة عند تجديده
لها زمن الخليفة المستنصر أدخل الجامع ضمن أسوار القاهرة الجديدة, و قد عرف هذا
الجامع بعدة أسماء, منها جامع الخطبة, الجامع الأنور, جامع الحاكم, دار الحكمة(2).
المنشئ :-
أمر بإنشائه الخليفة الفاطمي الثاني العزيز بالله بن المعز
لدين الله في سنة 380هـ – 990م و لكنه لم يتم في عهده بالرغم من أنه أدي صلاة
الجمعة فيه شهر رمضان 380هـ-991م و بدأ ابنه الحاكم بأمر الله الخليفة و أكمله في
سنة 403هـ-1012م ولهذا سمي المسجد جامع
الحاكم(3)، وقد ولد أبو علي المنصور يوم الخميس لأربع بقين من ربيع الأول
سنة 375هـ و عهد إليه أبوه بالخلافة سنة 383هـ إلي أن بويع له بها يوم وفاة أبيه
في الثامن و العشرين من رمضان سنة 386هـ-996م و كان عمره إذا ذاك إحدي عشرة سنة.
فتولي الوصاية عليه
أستاذه و مربيه برجوان الخادم و يقسم المؤرخون خلافة الحاكم إلي أربع فترات زمنية
مختلفة تمتد أولاها من سنة 386هـ إلي سنة 390هـ و كان لا يعلم فيها من أمور
الخلافة شيئا لأن السلطة كانت في يد أستاذه برجوان و وزيره ابن عمار و تمتد
ثانيتها من سنة 390هـ إلي سنة 395هـ، وكان للحاكم فيها رغم
حداثة سنه سلطة كبيرة في أمور الخلافة و تمتد ثالثها من سنة 396هـ إلي سنة 411هـ و
فيها كانت سياساته أكثر تقلبا و تذبذبا, مما جعل المؤرخين يتهمونه بالجنون ولا
سيما بعد تأييده لمن نادوا بألوهيته و مع ذلك فقد تمتعت مصر في عهده برخاء كبير
أدي إلي ترف البلاد و رفاهيتها.
وقد إختلفت الروايات
في سبب وفاته,فقال البعض أن أخته ست الملك هي التي دبرت قتله لسوء تصرفه و قال
البعض الآخر أن رجلا من أهل الصعيد طعنه بسكين فمات و يعتقد بأنه إختفي سنة 411هـ
– 1021م و أنه سيعود بعد زوال المفاسد من الأرض لأنه يمثل عن الشيعة الإمام
المتنظر(4)، تعتبر شخصية الحاكم بأمر الله بلا نزاع أكثر الشخصيات الفاطمية
إثارة للجدل والحوار حتي اليوم فبينما يصوره المؤرخون كشخصية شاذه وغريبة الأطوار
يعتقد بعض المفكرين المعاصرين أن هناك إحتمالا بأن ما كان يصدره من مراسم قد تبدو
شاذه كان يقصد بها إصلاح الأحوال الإجتماعية(5).
الوصف المعماري للجامع :-
مواد البناء :-
إستخدمت
في إنشاء الجامع مواد بناء متنوعة أهمها الآجر الذي إستخدم في بناء معظم
دعامات وجدران الجامع و قباته كما إستخدمت
الأحجار(6) في بناء بعض الدعامات و بخاصة دعامات رواق القبلة المطلة علي الصحن و المئذنتين و
المداخل البارزة هذا بالإضافة إلي إستخدام بعض الأعمدة المجلوبة من عمائر قديمة و
بخاصة المربع الذي يتقدم المحراب و الذي كانت تشغله المقصورة, كما تغشي النوافذ
بجدران الجامع و المجاز القاطع و القباب ببلاطة المحراب(7).
ولا شك أن إستخدام الآجر كمادة أساسية في البناء كان في إطار
شيوع إستخدام هذه المادة في البناء دون الحجر في هذا العصر, و ساعد إستخدامها في
تحقيق الرغبة في الإرتفاع ببناء الجامع إرتفاعا يناسب مساحته و يرتفع سقف الجامع
بالمستوي المطلوب و بخاصة و أن إنخفاض سقف الجامع الأزهر كان محل تعديل و قد ساعد
الآجر كمادة بناء في بناء الدعامات بالمستوي المطلوب، وإستخدمت بقية المواد إستخداما ثانويا محددا تمثل في تكسيه
الواجهات و بناء المداخل و المئذنتين بالحجر الجيري الأبيض لتؤثر في المشاهد
تأثيرا مطلوبا يجسد عظمة البناء و متانته و يعطي لواجهات الجامع اللون الأبيض
للحجر الجيري و هو اللون الذي وجد تفضيلا لدي الفاطميين لبهائه و هو اللون الذي إرتبط
بصورة أو بأخري بأسماء المساجد الجامعة الأزهر و الأنور و الأقمر(8).
المدخل :-
هذا المدخل عبارة عن مكعبين من الحجر المنحوت في أول مثال من
نوعه في عمارة مصر الإسلامية يغلب علي الظن أن فكرته قد جاءت من الفاطميين من مسجد
المهدية في تونس بالشمال الإفريقي و تزين هذين المكعبين زخارف حجرية محفورة في
غاية الدقة و الإبداع الفني (9)، يقع هذا المدخل في منتصف الضلع الشمالي الغربي و يبرز عن سمت
الجدران بمقدار 6,16م و عرضه 15,50م و يتكون من برجين مستطيلين بينهما فتحة باب متوجه من أعلاها
بعقد مدبب (10).
مدخل جامع الحاكم وهو ما يسمي بالمدخل التذكاري |
مدخل الجامع البارز ذات الزخارف الجميلة |
مدخل الجامع ومعه المئذنة الشمالية |
يفضي المدخل إلي دهليز مستطيل مغطي بقبو و جوانب المدخل مزخرفة
بنماذج رائعه من الزخارف النباتية و الهندسية(11) و بأعلى المدخل لوح رخامي عليه نص تأسيس بصيغة " بسم الله الرحمن الرحيم و
نريد أن نمن علي الذين إستضعفوا في الأرض و نجعلهم الوارثين مما أمر بعمله عبد
الله و وليه أبو علي المنصور الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين صلوات الله
عليه و علي آبائه الطاهرين في شهر رجب سنه ثلاث و تسعين و ثلثمائه، وفي عصر المماليك الجراكسة أقيم علي أحد جوانب هذا المدخل قبة
ضريحيه هي قبة قرقماس إلا أن السلطان البهرة في حكم الرئيس السابق أنور السادات
إستطاع بنفوذه المالي هدم هذه القبة الضريحية بعد أن وعد بإعادة بنائها بجبانة
المماليك, إلا أن هذا الوعد لم ينفذ إلي الآن (12).
الصحن (13) :-
مستطيل الشكل قياسي طوله 78 مترا من الشمال إلي الجنوب و عرضه
من الشرق إلي الغرب 66 مترا و هو ما يعني أن مساحة الصحن تشغل 5,48 مترا مربعا من
أصل 13656 مترا مربعا هي مساحة الجامع كله أي أنه يبلغ 37,6 % من مساحة الجامع و هي مساحة كبيرة يظن أنها كانت بهذا الشكل
لتسع حركة موكب الخليفة و جنده و حرسه في داخل الجامع أثناء قدومه للصلاة بهذا
الجامع الذي كان يبلغ أكثر من خمسة آلاف كما ورد في بعض الإحصاءات.
و يلفت هذا التفسير الإنتباه
إلي مساحة صحون المساجد الجامعة التي كان يصلي فيها الخلفاء و الحكام الذين إهتموا
بالذهاب إلي الصلاة ضمن مواكب تضم الجمع الغفير من الحاشية و الجند و الحراس كجامع
سامراء و جامع أبي دلف و جامع ابن طولون في مصر و يهمنا هذا الأخير الذي شغل مساحة
من الأرض بلغت 261444 مترا مربعا شغل بناء الجامع منها بدون الزيادات 15284 مترا
مربعا و شغل الصحن منها 8474 مترا مربعا بنسبة 55,4 % من مساحة الجامع (14).
هذا و يلاحظ أن صحن الجامع لم تنشأ به فسقية(15) في العصر الفاطمي و إن كان إنشاء صهريج بصحنه قد حدث في العصر
المملوكي و في ذلك ما يجعل صحن الجامع خاليا من أي فساق في العصر الفاطمي و هو ما
يتوافق و الرغبة في تسهيل الحركة بالجامع أثناء تواجد الخليفة فيه لصلاة الجمع,
كما يرتبط هذا التوجه في تسهيل الحركة بعدد الأبواب و توزيعها بالواجهات الأربع(16).
و يكشف الوضع الأصلي لصحن الجامع عن أهمية المحافظة عليه لإرتباطه
بدلالات وظيفية محددة مرتبطة بالعصر
الفاطمي و من هنا تجب إزالة الوحدات المعمارية التي أضيفت بعد الترميمات الأخيرة
التي حدثت بالجامع (17).
المئذنتان (18) :-
للمسجد مئذنتان، إحداهما بالزاوية الشمالية و الأخري بالزاوية
الغربية من الواجهة الشمالية الغربية و هما مختلفتان عن بعضهما شكلا و تصحيحا,
مبنيتان من الحجر المشغول, إلا أنهما مغلفتان بكسوة طوبية من عصر الخليفة الحاكم
بأمر الله(19),
و قد نقش علي بدن المئذنتين زخارف نباتة و هندسية متقنة هذا بالإضافة إلي الأشرطة (20) الكتابية
بالخط الكوفي المزهر (21).
المئذنة الغربية للجامع |
المئذنة الشمالية من داخل الجامع |
ظلة القبلة :-
مساحتها مستطيلة 78×6,23م تتكون من خمس أروقه يفصل بينهما
دعامات بينية من آجر مكسي بطبقة من البلاط الجصي, تحمل الدعامات عقودا تسير موازية
لجدار المحراب (22)، ويقطع هذه الأروقة مجاز قاطع تسير عقوده عمودية علي جدار
المحراب ينتهي المجاز بقبة من الآجر محمولة علي حنايا مفردة و ترتكز الحنايا علي
عقود محمولة بدورها علي أعمدة رخامية، ويوجد بأركان الرواق الأول من ظلة القبلة
حنايا تؤكد وجود قبتان آخريتان بهذه الزوايا، مثلما كان الأزهر عند إنشائه.
المحراب :-
يتصدر ظلة القبلة المحراب علي هيئة نصف دائرية يكتنفها عمودان
من الرخام (مفقودان) و يتدرج الداخلة طاقية علي هيئة عقد ذا مراكز يدل مظهره علي
أنه كان غنيا بالزخارف الجصية, و يكتنف أعلي طاقية المحراب شباكان معقودان غشي
جوفهما بنماذج جميلة من الكتابات المفرغة في الجص (23).
أعمال الإصلاح و التجديد :-
مر هذا المسجد بالعديد من الإصلاح و التجديد نذكر من أهمها :
تأثر المسجد من الزلزال الذي أصاب القاهرة في سنة 702هـ-1302م (24). فلقد سقط كثير من الدعامات و أعالي المئذنتين و تشقق سقوفه و
جدرانه فأمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الأمير ركن الدين بيبرس
الجاشنكير فأصلحه و جدده و أثبت ذلك في نقش كتابي بالمسجد جاء فيه, و كان الفراغ
في سنة 703هـ-1303م.
كما جدده السلطان
الناصر حسن بن الناصر محمد في سنة 760هـ (1538-1359)م علي أن أهم الإصلاحات هي
التي أجريت علي يد السيد عمر مكرم نقيب الأشراف في سنة 1222هـ -1807م فجدد أربعة
صفوف من البوائك برواق القبلة و جعلها مسجدا للصلاة ثم كسا القبلة بالرخام و وضع
بجوارها منبرا (25)، غير أن ظروف الزمن قد توالت علي هذا المسجد إذ إستخدم في القرن
(12هـ/18م) و القرن (13هـ/19م) لغير الغرض الذي شيد له فإتخذ حامية إبان الحملة
الفرنسية, ثم بعد ذلك أقام فيه قرم من الشام مغازل و معامل لصناعة الزجاج و نسج
الحرير و إستخدام في سنة (1286هـ/1880م ) متحف لدار الآثار العربية , ثم أفتتحت في
جامع الحاكم مدرسة السلحدار الابتدائية.
و
لكن في سنة (1927م) أصلحت إدارة حفظ الآثار العربية إكتشاف النصف الغربي من الرواق
الجنوبي و عقوده و أعادت بناء المجاز القاطع, كما نزعت الكسوة الرخامية التي وضعها
السيد عمر مكرم علي المحراب في كشف المحراب القديم و ركبت هذه الكسوة علي المحراب
الحديث علي يمين المحراب القديم(26)، وتجدر الإشارة إلي أن جامع الحاكم بصورته الحالية من التجديد
إنما يرجع إلي طائفة البهرة الهنود الشيعة الذين أخذوا علي عاتقهم تجديد هذا
الجامع و إفتتاحه للصلاة حاليا.
(1) محمد عبد الرحمن فهمي:آثار مصر الاسلامية,الأقصر , الجزء الاول , ص112
(2) حسني محمد نوصير:الاثار الاسلامية, مكتبة
زهراء الشرق,القاهرة,الطبعة الثانية,2004, ص184
(4) عاصم
محمد رزق:أطلس العمارة,ص200.
(5) لوحة ارشاديه معلقه بداخل المسجد(لوحة رقم
12) .
(10) حسني محمد نوصير:الاثار الاسلامية,ص185.
(13) الصحن
في العمارة الدينية كالمسجد والمدرسة والخانقاه ونحوها هو مساحه مكشوفه أو مغطاه
تتصل بها من الناحية الجنوبية برواق القبله ومن النواحي الثلاثة الباقية بالأروقه
الثلاثه الأخري أما في العماره المدنية فكان الصحن هو نواة الخان و الوكالة والربع
والقصر والدار , اليه يفضي الباب الخارجي وعليه تتفتح العقود والشبابيك وفيه تعمل
الفوارات وتزرع الأشجار.
(14) محمد عبد الستار عثمان :
موسوعة العمارة الفاطمية,ص304.
(18) هي موضع الاذان للصلاه،وتسمى
الصومعه ولا تزال المآذن تعرف فى المغرب العربى بإسم الصومعه،وهى أبراج مرتفعه
بعضها ذو سلالم خارجية ومعظمها له سلالم داخليه لصعود المؤذن،وقد يكون بدن المئذنه
مستدير أو مثمن أو مربع وقمتها على شكل مبخرةأو خوذة،أو ذات قمة ناقوسية-سامى
نوار:الكامل فى مصطلحات العمارة الإسلامية،ص178
(20) إستخدم للدلاله علي مستطيل مزين بكتابات
عربيه كوفيه أو نسخيه أو ثلثيه أو بنقوش ذات عناصر نباتية أو هندسية
(23) حسني
محمد نوصير: الاثار الاسلامية,ص187.
(24) أبو
الحمد محمود فرغلي: الدليل الموجز,ص224.
(25) أبو الحمد محمود فرغلي: الدليل الموجز,ص224
.
(26) أبو الحمد محمود فرغلي:
الدليل الموجز,ص225.
إرسال تعليق